الصور معروفة ، والرد التلقائي عليها كذلك ، الطائرات الحربية تقصف "بنك الأهداف" ، والدبابات الاسرائيلية في ضواحي غزة ، والمبررات ايضا كانت موجودة: دولة اسرائيل لا تستطيع الجلوس من دون الرد على اطلاق صواريخ القسام ، ولكن المسألة هنا ليست اطلاق النار على سكان سديروت ، ذلك لأن الدولة كانت قادرة منذ زمن على نشر منظومة دفاعية واقية فوق المنازل والمدارس في المدينة ، إلا أن المطروح على المحك الآن هو مكانة الدولة الاعتبارية .

هذه هي نفس المكانة الاعتبارية التي أسهمت بدرجة غير قليلة في انشاء التهديد الاستراتيجي الحقيقي لاسرائيل ، هذا التهديد لا يتجسد من خلال صواريخ القسام المقلقة التي تتسبب في رحيل سكان مدينة سديروت عنها ، وانما من خلال انهيار وتفكك غزة وتسليم مليون وربع مليون انسان هناك لسيطرة "العصابات" وشل القدرة على بناء قيادة فلسطينية موحدة ذات قوة ، واقامة "دولة ارهاب" في غزة قادرة على العيش بمعزل عن أي حكم مركزي فلسطيني.

تلك المكانة الاعتبارية الاسرائيلية هي التي كانت وراء قرار عدم الاعتراف بحكومة حماس ، وفرض حصار اقتصادي على المناطق ، وربط قدرة الفلسطينيين على العيش باحترام وكرامة باعتراف حماس باسرائيل ، وكم هو سخيف الآن ذلك الاحصاء الرقمي لانتصارات وهزائم فتح في مواجهة حماس وعدد الجثث من جهة مقابل العدد في الجانب الآخر ، وذلك الاجمال الرياضي القائل بأن حماس تحرز الانتصار في الشارع.

أليست هذه نفس حماس التي انتصرت في الانتخابات السنة الماضية ، حماس التي حافظت على وقف اطلاق النار المبارك والمرحب به طوال أشهر؟ أليست هي نفس حماس التي وقعت على اتفاق مكة وقبلت المبادرة العربية؟.
حماس ليست حركة مرغوبة ، فهي تنطوي على عنصر الارهاب وتستمد نهجها من ايديولوجيا دينية متطرفة ، ولكن حماس وحكومة الوحدة الفلسطينية طالما بقيت صامدة ، هما العنوان الأفضل لاسرائيل الآن ، هذه الحكومة ليست الحكومة الوحيدة القادرة على السيطرة على "دولة غزة" ، بل هي الوحيدة التي ما زالت تهتم بمصير شعبها هناك ولذلك فهي تتأثر من ضغوطه ، هي الوحيدة التي يعتبر اطلاق الصواريخ على سديروت تهديدا لها ، لكن أياديها مكبلة ودون امتيازات يمكن أن تُقدمها لشعبها.

من يبحث عن تماثل ومقارنة ، ولديه رغبة في مقارنة غزة بالصومال أو العراق ، يجدر به أن يستكمل عملية المقارنة ، ففي العراق ايضا لا توجد حكومة قوية قادرة على فرض النظام والأمن ، ولكن تلك الحكومة ومثلها الحكم الاميركي ، مستعدة للتحاور مع أي أحد بما في ذلك "العصابات الارهابية البعثية والمنظمات الارهابية الشيعية" من اجل التوصل الى الهدوء.
لم يكن أي عاقل في الادارة الاميركية ليرفض هدنة لسنة وحتى لعشرين سنة بسبب قضية المكانة الاعتبارية أو الاعتراف ، فالادارة الاميركية لم تتوقف عن تحويل الاموال للعراق حتى عندما أدركت أن جزءا هاما من هذه الاموال يوجه لشراء السلاح أو يصل الى الجيوب الخاصة ، فالمهم بالنسبة لهم هو الحفاظ على شكل ما من اشكال الحياة الطبيعية.

هذه هي عملية المقارنة الصحيحة التي على اسرائيل أن تتبناها ، فبدلا من ذلك ستتزايد الثرثرة حول أفق سياسي في الوقت الذي يُفرض فيه حصار اقتصادي - حصار لم يوقف تحويل السلاح الى القطاع أو اطلاق صواريخ القسام ، هذا الحصار ليس أكثر من عقوبة جماعية تهدف الى إخضاع ايديولوجية حماس ، وذلك ايضا كان نصيبه الفشل.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)