"المجرم" قريب جدا ومعروفا سلفا، وإذا كانت الاتهامات باتت اعتيادية، فإن وضع صور نمطية للمجرم يحمل أكثر من ابعاد سياسية تتعلق بالعلاقات الإقليمية، فالصورة للتفجيرات المتلاحقة في بيروت لا يمكن النظر إليها إلا من خلال "الخوف" الذي يمكن رسمه، أو كسر طبيعة العلاقات بين الناس عبر "نمطية" التصريحات، ووضع صورة "المجرم" في أبعاد محددة.

المسألة ليست في التحميل الاعتيادي لـ"سورية" مسؤولية ما يحدث، فالسياسيون الذين يسارعون إلى رسم عدو دائم لا يتبدل، يضعون في نفس الوقت شكل الانقسان النهائي داخل المجتمع نتيجة صورة "الخوف" من مصدر واحد فقط، والمشكلة التي يمكن ان تظهر تخرج عن إطار "العداء" بين بعض السياسيين وسورية، لتصبح أيضا عصبية خاصة داخل المجتمع، أساسها "الخوف" من الآخر الذي لا هم له على ما يبدو إلا "الترويع" دون وجود منطق واضح لهذا الترويع، الذي ستكون اولى نتائجه التفكير على الأقل بإقرار المحكمة الدولية تحت البند السابع، وهذا الأمر ينقل حالة "الترويع" إلى مجال آخر يتجاوز مساحة "التفجيرات" اليوم وربما ينتقل إقليميا ليغلق المساحة الناقصة من الفوضى السائدة "شرق أوسطيا".

و "المجرم النمطي" اليوم ربما يقع ضمن "الرسالة الإعلامية" الموجهة كل لحظة عبر التصريحات الرسمية، وهو على ما يبدو يشكل استبدال المصطلح في الخطاب بعد أن تم اسقاط العبارات الكلاسيكية مثل الإمبريالية والصهيونية، رغم ان هذه التعابير متوفرة على طرف الآخر من المشهد السياسي، بحيث تتم عملية "التنميط" باتجاهين، ويجري تشكيل "الخوف" وذلك بغض النظر عن أي اعتبار آخر.

هذه الآلية تغطي بالفعل كل مساحات الخطر الحقيقي، لأن عملية تشكيل المجرم تحد البحث، وتحاول الابتعاد عن حقيقة العلاقات السائدة اجتماعيا، كما أنها تعفي الناس من التفكير في المسار السياسي الذي يتقلب اليوم في حدود القرارات الدولية، ويجعل من الساسة "محتجين" بدلا من أن يكونوا فاعلين، فالتعبئة وخلق العصبيات عبر الخوف لم يعد يحمل أغراضا سياسية لأنه انتقل إلى مجال الأحقاد الشخصية، ويحاول تلخيص المشكلة من خلال وضع حالة حدية تشبه إلى طبيعة الخطاب الأمريكي حول الشر والخير وتوجيهات الظواهري بشأن "الإسلام" و "الحملات الصليبية".

ما يحدث اليوم من تفجيرات أو خلق مجرم "نمطي" هي حالات ما قبل السياسة، وتنضم إلى جملة الظواهر التي نشات وتطورت بشكل سريع مستعيدة صراع "عبس" مع "ذبيان"، وشكلت مفارقات القبائل في زمن الفضائيات.