لست أنوي الدخول في تحليلات سياسية حول الأحداث الأخيرة في مخيم نهر البارد في لبنان، ولا عمن بدأ المعارك هناك، وكيف اشتعلت تلك المعارك، ومن المنتصر ومن المهزوم، وأثر كل ذلك في التوازنات السياسية اللبنانية الزئبقية الى حد الملل، أترك كل ذلك عن طيب خاطر لغيري. ما يعنيني، بل ما يؤرقني ويؤلمني هو مدى احتقار السياسيين للحياة البشرية، أية سياسة هذه التي لاتعبأ بالأخلاق والقيم؟

ارتفعت الأصوات: هيا الى الحسم، ولكن مهلا عن ماذا يجري الحديث أي حسم؟ حسم عسكري بقصف المخيم المسكين بالدبابات والمدفعية؟ حسم بتدمير البيوت على سكانها؟

لم يفكر أحد بالخمسة والأربعين ألف انسان الذين يسكنون المخيم البائس، كأنهم يهاجمون جبهة عسكرية في صحراء، وحين دخلت كاميرا الجزيرة للمخيم وظهرت الكارثة كما هي عليه وحجم الرعب والموت صاح السياسيون: آه أيتها الجزيرة الماكرة المتحيزة لماذا تنقلين صور الموت والدمار هل هذا وقتك؟

سياسيون دون قلوب، دون رحمة، دون قيم، دعونا نفترض ان مجموعة مسلحة احتلت حيا من أحياء لندن او باريس، وطلب من القوى الأمنية التدخل وانهاء تلك الحالة، هل يتصور أحد أن الجيش البريطاني سيحاصر الحي بكامله والذي يضم بضعة آلاف نسمة وسيقوم بقصفه بالدبابات والمدفعية فوق سكانه؟ هذا مستحيل بالتأكيد، بل ان أول شيء سيفكر به الجيش هوتأمين سلامة السكان.

من الذي فكر بسلامة السكان في مخيم نهر البارد؟ من الذي وضع خطة لتأمين اخلاء المخيم قبل قصفه وقبل قطع الماء والكهرباء عنه؟

اهجموا، احسموا، الآن، فورا، لا تترددوا ولا تراعوا أي اعتبار؟ ولكن أيها السياسيون الأشاوس هناك نساء وأطفال وشيوخ، هناك أبرياء ومدنيون، هناك بيوت ومدارس ومساجد.

كيف نفسر هذا الاندفاع الوحشي الأعمى؟

أصبحنا نعامل شعوبنا كما يعامل الاحتلال الأمريكي الشعب العراقي، ذات الاحتقار للحياة الانسانية والكرامة الانسانية، أيضا تسربت الينا حمى جنون الخوف من الارهاب، من أجل مواجهة احتمال وجود رابط بين القاعدة ونظام صدام كان يجب شن حرب وقتل مئات الألوف، وكما تفكر أمريكا يجب ان نفكر، فمن أجل اجتثاث عشرات من المسلحين لابأس بتدمير مخيم على سكانه.

لكن ألا يوجد طريقة أخرى؟ بالحكمة، بالسياسة، على الأقل بمحاصرة المخيم واتخاذ الاجراءات الضرورية لأمن وسلامة المدنيين والأبرياء، لكن لماذا نتعب تفكيرنا، نحن عرب، دماؤنا أرخص الدماء، والبربرية تغلي في صدور الكثيرين من السياسيين وغيرهم، والقيم الانسانية والأخلاقية لم توجد لتطبق على شعوبنا، لذا نحن في حل منها، هيا اهجموا، ولا تهتموا بصور الرعب والدماء والدمار التي تنقلها الجزيرة، غدا سنؤدب الجزيرة ونستأنف القصف.

مصادر
كنعان أون لاين (الولايات المتحدة)