ربما يضع التراث فوق رأسه وأمامه، أو يجعل من لحيته شعارا يلاحقني إلى سريري، فيجعلني أغفو على الكوابيس، واستفيق وأنا أردد تعاويذ كانت منسية لدي. لكنه في الوجه الآخر قادر على التقمص، والتعامل مع كل تفاصيل الحياة لأنه ليس غريبا فهو يعيش بيننا ويتطور معنا، أو ربما نجعله عنوانا في مسار حياتنا.

من يعتقد أن "المتطرف" يحمل شكلا نمطيا هو جاهل بما يحدث، أو ربما بما يمكن أن يجري مستقبلا، لأن القوالب الجاهزة تعلمناها من الصور الإعلامية، ومن تجربتي الشخصية فأنا قابلته عندما كنت طفلة، وزجرني لأنني تكلمت في موقع "لا يحق لي التكلم"، وتحرش بي لأن قميصي كان "بلا أكمام"...

ثم لاحقني في المراهقة عندما كان يترصدني ليدقق في ملامح جسدي، وأسمعني كلمات جنسية لم أكن وقتها أدرك معناها، ثم أصبح صيادا يريد اقتناصي... كان يهوى "تعرية" كل شيء ابتداء من جسد الأنثى وانتهاء بـ"الأشياء" عبر تشبيهات جنسية يطرحها أينما ذهب وحيثما صادفني.

وأشاهده اليوم في الشوارع يفرض قانونه، فيصبح سائق تكسي يريد أن يحدد مسار رحلاته على الزبائن، ويفرض ذوقه بأشرطة لها شكلين فقط: إما وعظ ديني، أو أغان هيستيرية لا أفهم منها إلا رائحة الفجور.

وهو أيضا يسير في الشوارع منتقدا الجميع لأنه "أسمى"، فلا تعجبه قذارة الشوارع ويعتبر البائعين سارقين، والبشر جميعا يحتاجون لآلاف الأعوام كي "يصبحوا بشرا" ... وعندما يشاهد جسد امرأة "يتعوذ بالله" لكن قلبه يتسارع، وربما تصبح عينيه كضفدع يترصد "ذبابة"...

إنه ليس شيخ طريقة بل فيلسوف وزاهد قادر على إصدار الفتاوى ضد الجميع، لكنه مقتنع بالغنيمة التي تأتي إليه وهو في عمله فهو "لا يفخخ السيارات" بل القوانين، معتبرا أملاك الدولة ضمن الاقتصاد الرعوي الذي يسكن داخله.

المتطرف ليس فقط "شريطا" لشاكر العبسي لأنه متوفر بكثرة حتى ولو لم يلجأ إلى "الجهاد العسكري"، فهو أساسا "مجاهد اجتماعي" ينتهك الجميع معتقدا أنه الوحيد الذي يمتلك العذرية، ويستبيح كل النساء معتقدا أن "حريمه" محصنات... وعندما يكتشف بالصدفة أنهم مثل غيرهم من البشر ربما يقتنص "جريمة شرف" لكنه في أغلب الأحيان يبرم شاربه ويصب غضبة على "القيم الغربية الفاسدة"