قال بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) - الكويت - الإستراتيجية الاقتصادية والرؤية المستقبلية - سوريا - قطاع المصارف - قبل عدة سنوات مضت امتاز قطاع المصارف في سوريا بوجود مصرف تجاري واحد وعدد من المصارف المتخصصة الأخري. حيث ضمت سوريا مصرفا تجاريا واحدا قبل العام 2003، وهو البنك التجاري السوري، ومصرف آخر تديره الدولة وهو المصرف العقاري، وهو متخصص ببعض أنشطة التجزئة المصرفية. وحاليا يسيطر البنك التجاري السوري علي الأنشطة المصرفية التجارية في سوريا. فهو مسئول عن كافة الأنشطة المصرفية التجارية والمالية داخل وخارج سوريا. وتحتفظ البنوك الأخري لنفسها بالأنشطة المصرفية التي تخدم مجالاتها وأغراضها المتخصصة ومن أمثلتها المصرف الزراعي التعاوني، المصرف العقاري، المصرف الصناعي، ومصرف التسليف الشعبي. ويشرف البنك المركزي السوري - الذي بدأ ممارسة نشاطه في العام 1956 - علي النظام المصرفي في سوريا.

ويعد الارتفاع الكبير في مطالبات القطاع الخاص من أهم التطورات التي شهدها قطاع المصارف السوري خلال العام 2005، وهو ما يعكس السيولة القوية والتخفيف النسبي للقواعد المركزية شديدة التقييد لتوزيع الائتمان. وفي ظل هذه الخطوات السريعة للنمو استحوذت مطالبات القطاع الخاص علي 52.7 في المائة من إجمالي الائتمان المحلي في العام 2005، في حين استحوذت المطالبات علي الحكومة المركزية والقطاع العام علي النسبة المتبقية والبالغة 47.3 في المائة من إجمالي الائتمان المحلي. وفي الواقع فقد استحوذت مطالبات القطاع الخاص علي أكثر من نصف إجمالي الائتمان أو بمعني آخر استحوذت علي حصة أكبر من الائتمان الممنوح للحكومة والقطاع العام للمرة الأولي علي الإطلاق.

وقد شهد القطاع المصرفي السوري نموا قويا خلال العام 2005 كما يتضح من جميع البيانات الاقتصادية التي أظهرت معدلات نمو قوية علي أساس سنوي. حيث ازداد إجمالي الأصول في العام 2005 بنسبة 7.4 في المائة ليبلغ 1343.0 مليار ليرة سوري. وهو ما يعزي للزيادة في ودائع العملاء. كذلك نما إجمالي الودائع خلال الفترة الممتدة من العام 2001 إلي العام 2005 بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 11.8 في المائة ليبلغ 759.6 مليار ليرة سوري، أو ما يعادل نموا سنويا نسبته 9.5 في المائة عن مستواه في العام 2004 البالغ 670.0 مليار ليرة سوري. ومن الملاحظ أن التساهل في السياسات المتعلقة بودائع العملة الأجنبية عمل علي زيادة قيمتها عاما تلو الآخر بمعدل هائل مقداره 2.894 في المائة ليصل إلي 2.845 مليار ليرة سوري في العام 2005 مقابل 95.0 مليون ليرة سوري في العام 2004.

وتعد الودائع المصدر الرئيسي للتمويل لدي المصارف السورية حيث تستحوذ علي 54.6 في المائة من إجمالي المطلوبات في العام 2005، وتنمو بنسبة 9.5 في المائة علي أساس سنوي لتصل إلي 733.324 مليار ليرة سوري. ونمت ودائع المصارف بمعدل سنوي مركب نسبته 11.8 في المائة خلال الفترة الممتدة من العام 2001 إلي العام 2005 يحركها سياسة نقدية محكمة تفرضها الحكومة. وساهمت كل من الودائع تحت الطلب، والودائع الادخارية ولأجل بنسبة 23.6 في المائة، 23.9 في المائة علي التوالي من إجمالي المطلوبات المصرفية السورية. وهو ما يشير إلي ارتفاع معدل دوران النقد.

وتعزي التطورات في قطاع المصارف السوري إلي جهود البنك المركزي السوري في خلق بيئة مناسبة للمصارف العاملة في القطاع. وقد تم سن عدد هائل من القوانين خلال العامين الماضيين. وفي حقيقة الأمر ساهمت إستراتيجية السلطات السورية الخاصة بتطوير القطاع المالي، والتي استهدفت فتح القطاع المصرفي أمام المبادرات الخاصة، كثيرا في جذب وتوسيع الأنشطة المصرفية الخاصة. وعلي الرغم من احتفاظ البنوك الخاصة في سوريا بنسبة مساهمة ضئيلة في القطاع الذي مازالت تسيطر عليه المؤسسات المملوكة للدولة، إلا أن هذه النسبة تنمو بمعدل يفوق ما هو متوقع.

يشترط القانون السابق أن يستحوذ المساهم السوري علي حصة في المصارف الخاصة الجديدة لا تقل عن 51 في المائة وأن يبلغ الحد الأدني الذي يتطلبه البدء بالاستثمارات الرأسمالية 30 مليون دولار أمريكي. هذا وتتضمن المصارف الخاصة العاملة في سوريا حاليا بنك عودة - سوريا، بنك سوريا والمهجر، بيبلوس بنك - سوريا، بنك بيمو السعودي الفرنسي، المصرف الدولي للتجارة والتمويل، بنك سوسيتيه جنرال لبنان. هذا ويتوقع أن يتم تعديل القانون الذي يتعلق بتأسيس مصارف جديدة في المستقبل القريب. وأوضحت السلطات المالية السورية أن الملكية الخاصة للمصارف يمكن أن ترتفع إلي 70 في المائة عن سقفها الحالي البالغ 49 في المائة. كذلك يمكن لشرط الحد الأدني لرأس المال أن يرتفع لأكثر من الضعف عن مستواه الحالي البالغ 1.5 مليار ليرة سوري. كما أن هناك قانونا جديداً تم سنه يسمح بتأسيس مصارف إسلامية جديدة بشرط أن يكون الحد الأدني عند مستوي 5 مليارات ليرة سوري.

وعلي صعيد آخر، هناك العديد من القوانين والتشريعات التي تهتم بالقوانين النقدية والمصرفية والتي ستعمل علي تسهيل عمل المصارف الخاصة والعامة علي حد سواء. فخلال شهر مايو، صرح البنك المركزي للمصارف المرخصة بتثبيت سعر الصرف الأجنبي للعملاء، علما بأنه تم السماح بهذا للمرة الأولي من جانب السلطات. علاوة علي ذلك أعلن وزير المالية أنه لن يكون هناك أية قيود علي تحويل الأرباح إلي خارج الدولة كما أعلن عن خفض رسم الدمغة علي العمليات المالية. ومن جانبها أصدرت هيئة المال والائتمان قرارا في يناير يسمح من خلاله للمصارف بأن تقترض من بعضها البعض وللمرة الأولي بمعدل فائدة لا يتجاوز 4.5 في المائة. وفي نفس الوقت سوف يتم السماح للمصارف المحلية بإصدار خطابات اعتماد للتصدير والاستيراد لعدد 950 عنصرا مختلفا - وهي قائمة تستحوذ علي حوالي ربع إجمالي التجارة السورية. وعلاوة علي ذلك، فقد تم تخفيض رسوم الصفقات ورسم الدمغة لتعجيل عملية الإقراض وخفض التكاليف الإضافية لترتيب صفقات القروض.

وفي الوقت الذي أدت فيه الكثافة السكانية العالية في سوريا إلي جعل السوق أكثر جاذبية، واصل الإطار التشريعي الضعيف، العقوبات الأمريكية والفرص الاستثمارية المحدودة إعاقته للقطاع المصرفي السوري. وفي الوقت الذي تحرك فيه العملاء بعيدا عن المصارف المملوكة للدولة إلي البنوك الخاصة الجديدة، فإنه لا يوجد وفره حالية في السيولة للمصارف الأجنبية. وعلي الرغم من تقديم العديد من الإصلاحات المصرفية المتنوعة، إلا أن العقوبات الاقتصادية المفروضة علي سوريا سوف تعيق القطاع المصرفي عن السير بخطوات واسعة نحو جذب رأس المال الأجنبي خلال الأشهر القادمة. هذا وتحاول الحكومة السورية تقديم العديد من الإصلاحات الضرورية غير أن كثيرا من القوانين المصرفية تحتاج إلي التنفيذ. وعلي أية حال، فبالنسبة للموقف السائد في بداية هذا القرن نجد أن هناك إصلاحات مصرفية جديدة جديرة بالملاحظة. وعلي الرغم من بدء السلطات في تنفيذ مبادرات الإصلاح في الاتجاه الصحيح إلا أن التقدم يتسم بالبطء ويحتاج إلي مزيد من العجلة.