مع تقاتل الفلسطينيين في ما بينهم، والتصعيد الجديد في غزة، وبحث رئيس وزراء اسرائيل ايهود أولمرت عن أجندة، تتجه أفكار اسرائيل نحو سورية.

وقد لا يكون بشار الأسد، الشريك المثالي لاجراء محادثات معه في ذهن أي شخص. ولكن بعد حرب الصيف الماضي عندما لم تستطع اسرائيل الحاق الهزيمة بحليفه حزب الله في لبنان، يبدو ان الأسد قد قمع التحديات التي يواجهها حكمه ووجد ثقة جديدة. والأكثر أهمية، من وجهة نظر اسرائيل انه يدير حكومة بالفعل لها عنوان معروف، على خلاف خصوم اسرائيل الآخرين وبينهم حزب الله والمسلحين الفلسطينيين في الجهاد الإسلامي وحماس وآخرين غيرهم.

ويشير المنطق الى ان السلام الحقيق مع سورية يمكن أن يحل المشاكل على ثلاث جبهات، بما في ذلك ايقاف دعم الأسد للمتطرفين الفلسطينيين وحزب الله.

وسيكون من المستحيل على اسرائيل التفاوض مع سورية بدون تنسيق دقيق مع واشنطن، لكن الولايات المتحدة، التي تعتبر سورية دولة راعية للإرهاب، لا تشجع أولمرت، بشكل كامل، على فك العزلة عن الأسد. ولكن حتى وزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، عقدت لقاء مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوم الرابع من مايو (ايار) الحالي على هامش اجتماع جرى في مصر حول العراق. ودام ذلك اللقاء نصف ساعة فقط، ويصر المسؤولون الأميركيون على انه كان حول العراق ودور سورية المزعوم في مساعدة القوات المناهضة للحكومة هناك. غير أن اسرائيل ما تزال تعير هذه القضية اهتماما.

وتشير شخصيات اسرائيلية من اليمين واليسار، من مسؤولين في وزارة الخارجية مثل ألون ليعيل الى الوزير الليكودي السابق دان مريدور، الى أن المحادثات مع سورية يمكن أن تحقق عدة أغراض في مصلحة اسرائيل، حتى اذا كان السلام الشامل مع سورية ما يزال بعيدا.

وعرضت الجامعة العربية تطبيع العلاقات مع اسرائيل بعد عودة الى حدود ما قبل 1967 وحل «عادل» و«متفق عليه» لمشكلة اللاجئين. وهذه الشروط غير مقبولة بالنسبة لإسرائيل ولكن المحادثات مع سورية يمكن أن توفر لأولمرت أن يخلق ضجة ايجابية حول التزامه بالسلام، خصوصا طالما ان التقدم على المسار الفلسطيني يبدو معاقا بسبب القتال بين الفصائل الفلسطينية وضعف الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقال ليعيل انه يعتقد ان المحادثات مع سورية فكرة عظيمة وهو كان مشاركا لفترة تقرب من عامين حتى يوليو (تموز) الماضي في اجتماعات غير رسمية مع رجل أعمال سوري يدعى أبو سليمان يفترض ان يكون مخولا من جانب دمشق إجراء محادثات. وكان رئيس الوزراء أرييل شارون ووزارة الخارجية يتلقيان تقارير منتظمة عن ذلك، وفقا لما يقوله ليعيل. وكانت النتيجة ورقة عمل غير رسمية حول «اساسيات» السلام، ولكن عندما ارادت سورية مزيدا من المحادثات الرسمية انسحبت اسرائيل.

وأنكرت كلتا الحكومتين السورية والإسرائيلية اجراء محادثات لكن ليعيل تشجع بعد قراءته لتقرير نشرته صحيفة «معاريف» والذي جاء فيه أن أولمرت «ميال إلى إجراء محادثات مع سورية» بعد التحقق من نوايا دمشق واكتشافه إلى أن الدول العربية المعتدلة تعتبر أن قيام اسرائيل باستكشاف امكانية إجراء محادثات مع سورية أفضل من عدم القيام بأي شيء على الإطلاق.

وقال ليعيل إن «الفوضى الداخلية القائمة حاليا بين حماس وفتح تشل الجميع. لكن بالنسبة لأي حكومة إسرائيلية فإن عدم القيام بأي شيء من اجل العملية السلمية لفترة طويلة، خصوصا مع وجود حالة اعتدال عربية، هو خيار صعب جدا».

ومثل الكثير من المسؤولين والمحللين الإسرائيليين فهو يرى أن فوائد كبرى ستكسبها إسرائيل إذا كان الأسد جادا. فسورية هي الراعي الأساسي لحزب الله بلبنان وقناة إيصال الصواريخ والأسلحة إليه، حيث أن الكثير منها يصل من إيران. كذلك فإن سورية هي مقر حماس والجهاد الإسلامي والمنظمات الإرهابية من وجهة نظر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهي توفر حماية لأشخاص قياديين مثل خالد مشعل رئيس مكتب حركة حماس السياسي ومساعده موسى أبو مرزوق.

وسورية ذات الأغلبية السنية هي الحليف الوحيد لإيران في المنطقة، وسحب الأسد من المدار الإيراني سيكون انتصارا استراتيجيا كبيرا.

عند ذلك سيقدم الوصول إلى اتفاقية سلام مع سورية لإسرائيل فوائد جمة في لبنان والأراضي الفلسطينية ويمثل ضربة لإيران، ليس فقط لأن الاتفاقية ستزيل احتمال وقوع الحرب مع بلد جار يمتلك طائرات مقاتلة حديثة مع صواريخ ثقيلة ودقيقة.

والسؤال بالطبع هو ما إذا كان الأسد يريد فعلا تحقيق السلام مع إسرائيل مقابل مرتفعات الجولان أو أنه يريد فقط البدء «بعملية السلام» ستخرجه من العزلة. وقال مسؤول مساعد كبير في الأسبوع الماضي إن اولمرت وعلى الرغم من ضعفه سياسيا فإنه لن يقوم بلعب الكارت السياسي البسيط عن طريق الدخول في مفاوضات غير جادة مع دمشق وهذا يمكن أن يفشل بسرعة وينتهي بحرب لا سلام. وقال المسؤول نفسه إن الأسد تغير منذ انتهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله وأضاف: «هو يظن أنه ربح الحرب، وثقته بنفسه عالية جدا». وقال الرئيس السوري إنه مستعد من أجل السلام لكن إذا فشل السلام فإنه مستعد للحرب.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)