كانت نتائج الاستفتاء العام بشأن إعادة انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد لولاية ثانية، متوقعة. فإن السوريين قالوا بالطبع "نعم" للأسد.

صحيح أن صيغة إعادة انتخاب الرئيس في منصبه والاستفتاء بدون منافسين كل هذا مشكوك في أمره من وجهة نظر ما يسمى بـ "الديمقراطية الغربية". ومع ذلك يجدر تقدير السلطات السورية إذ أنها لم تقدم على ممارسة ألاعيب سياسية مع سكان البلد وأبدت نزاهة ولتكن فريدة بتقديمها للاستفتاء مرشح واحد. فقد كان ضمان الاستقرار في البلد هدفها الأساسي لاسيما وأن عملية الإصلاح الحزبي التي بدأها الرئيس السوري لم تنجز بعد. ولا يمكن لأي من الأحزاب التي تمارس نشاطها إضافة إلى الحزب الحاكم تقديم مرشح بديل.

هذا وإن "الاستقرار" يعتبر اليوم كلمة أساسية في الشرق الأوسط. فعلى خلفية النزاعات العديدة وفي الظروف عندما بعض الدول الإقليمية الأساسية تقف "على العتبة" فيما يتعلق بتغيير السلطة، يبدو استقرار الوضع السياسي الداخلي في سورية للكثيرين هاما جدا. والحديث لا يقتصر على السوريين وجيرانهم في المنطقة الذين يعتبر الاستقرار بالنسبة لهم الأساس لمواصلة عمليات تحديث الاقتصاد والانفتاح السياسي. إن الاستقرار في الشرق الأوسط عموما وفي سورية بالتحديد يتجاوب مع المصالح الروسية.

ذلك أن الفوضى في المنطقة ليست في صالح روسيا انطلاقا من أن ظاهرة الفوضى لن تؤثر على مصالحها الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط فحسب بل وستنعكس فورا على الوضع في آسيا الوسطى وما وراء القوقاز اللذين يعتبران من الميادين التي تحظى بالأولوية لنشاطات موسكو السياسية الخارجية. وبوسع نتيجة الاستفتاء العام في سورية من وجهة النظر هذه خدمة المصالح السياسية الخارجية الروسية في سورية وفي المنطقة عموما على حد سواء.

إن التعاون الروسي السوري الذي اكتسب زخما خلال زيارة الرئيس بشار الأسد الأولى إلى موسكو في يناير عام 2005 يجب أن يسير بلا ريب بخط تصاعدي. وسيساعد الحفاظ على الاستقرار في سورية على تنمية العلاقات الثنائية في كافة الاتجاهات، خاصة ودمشق معنية بالدعم السياسي والعسكري من جانب موسكو.

وإذا تناولنا السياسة فمن الممكن أن تكون مناقشة مجلس الأمن الدولي مشروع القرار بشأن إقامة المحكمة الدولية للنظر في قضية جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري خير مثال. فإن تبني مسودة القرار وفق السيناريو الذي أعدته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ويفترض استخدام المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة لتشكيل محكمة دولية على غرار يوغسلافيا ورواندا، سيؤدي على الأرجح إلى حرب أهلية في لبنان وتتورط فيها سورية وإسرائيل وبلدان أخرى في المنطقة. إن هذا السيناريو غير مرغوب فيه على الإطلاق وبوسع روسيا تخفيف نص مشروع القرار وعدم السماح باستخدام المحكمة كوسيلة للضغط على بلدان المنطقة.

وفيما يخص الجانب العسكري فإن سورية تود بلا ريب مواصلة التزود

بالأسلحة الدفاعية من روسيا.

ومع ذلك لا يجدر تركيز الاهتمام على القضايا السياسية والعسكرية فقط. فيجب أن تكون العلاقات الثنائية عديدة الأوجه ويجب أن يحتل التعاون التجاري الاقتصادي بينها موقعا هاما. وبالرغم من أن هذا التعاون يتطور في السنتين الاخيرتين بشكل جامح للغاية لم تسنح الفرصة مع ذلك للبزنس الروسي والسوري بعد لمد جذورهما عميقا في أسواق البلدين.

وتبدو واعدة جدا المشاريع المشتركة في مجالات السياحة والطاقة بما فيها الذرية والتعاون في توسيع ميناء اللاذقية وتحسين شبكة خطوط السكك الحديدية في سورية. ويعتبر هاما أيضا تطور علاقات دمشق مع الأقاليم الروسية وبالمرتبة الأولى الجنوبية.

وإن القوانين التي من المنتظر أن تصدر في سورية حول شمول الشركات المحلية بنظام مسهل أكثر لاستخدام الاختصاصيين الأجانب ستوفر فرصا إضافية لتوسيع العلاقات. فليس سرا أنه يوجد في روسيا عدد كبير من الاختصاصيين في مختلف قطاعات الإنتاج يتقنون اللغة العربية ولديهم خبرة عمل في البلدان العربية.

وبهذا الصدد من المهم تطوير العلاقات في الميادين الإعلامي والثقافي والعلمي الذهني. فبوسع إقامة تبادل علمي في أطر أوسع مما الآن وإعداد مشاريع علمية تقنية مشتركة أن يشكلا الأساس لمشاريع إنسانية واقتصادية كبرى.

وهذا يستلزم عمل منظمات الصداقة في البلدين بنشاط أكبر. وتجري على هذا الطريق خطوات وفي الحقيقة من الجانب السوري بصورة أساسية. ولا يبقى إلا التعويل على أن الوضع في سورية سيبقى خلال الولاية الجديدة للرئيس السوري بشار الأسد لا مستقرا فحسب بل ويتطور بديناميكية في الاتجاه الإيجابي مما سيوفر الفرصة للعلاقات الروسية السورية للتقدم بتصاعد وبدون معوقات.