ما نشهده اليوم ليس انتهاء "الأحزاب"، او "تركيب" تيارات، فما هو ناقص يتعلق بالصورة السياسية التي نحملها، لأن "المعارضة" أو "الأحزاب" هي على سياق المؤسسات تحتاج لحلم وإبداع.. وتحتاج لخيال يعيد شكل المستقبل إلينا بدلا من رسم الحياة على شاكلة البيانات.

الصراع الناقص اليوم لا يتعلق فقط بعدم وجود "برامج سياسية"، أو بانتهاء الظواهر السياسية قبل أن تولد، أوحتى بانتشار البيانات الخاصة بـ"التكفيريين" أكثر من انتشار قصيدة شعر أو فكرة جديدة، فالغائب هو قدرتنا، أو ربما رغبتنا، على التحرر من تاريخنا السياسي، لتشكبل مساحات جديدة من "الأحلام" التي تنتظر الغد وتعرف أنها في النهاية تريد "حياة" وليس بيانات تغرقها بألوان الخطاب الإنشائي.

الأجيال التي تنمو اليوم لم تعاصر مراحل الأحلام الكبرى، أو خنق الأمل الذي بدأ يظهر منذ أواسط الثمانينات .. والأجيال الحالية لم تعرف لغة التحدي التي شهدناها أواسط الستينات مع اندلاع "الكفاح المسلح" .. ولم تعرف أيضا الرغبة في التحدي التي رافقت الحروب والمعارك من عام 1967 إلى 1973. فهي تسمع اليوم عن حكمة "السادات" وعن السلام الذي طال انتظاره. وتستقبل "أشرطة" الوعظ" والتسجيلات المصورة والأخبار الحافلة بالمتناقضات.

الأجيال اليوم ينقصها الحماس .. أو انها فاقدة لحالة عاشها أباؤهم رغم إخفاق التجربة .. وربما عليهم وسط حجم التصريحات القادمة من كل الاتجاهات أن يهديها أحدهم زهرة بدلا من بيان، او يقدم لها حلما قابلا للنمو بدلا من أن يسترجع معها المآسي... فالمعادلة الناقصة اليوم ترتسم وكأنها "خلاصة" سياسية، دون ان يدرك معظم قادة الرأي انهم مسؤولون عن خنق الأجيال القادمة بخيارين فقط.

في الستينات كانت التصريحات النارية شبيهة بما يطلق اليوم، مع فارق بسيط هو أنها كانت مدعومة بقوة باتجاهت يسارية وفصائل مسلحة .. أما الجانب الإيجابي في المشهد القديم فهو انطلاقها من جملة أحلام وآمال .. أما التصريحات اليوم فهي قادرة على إشعال الفوضى عبر إثارة "الخلايا النائمة"!! وقادرة على طرح إشارات استفهام دائمة وملاحقة "الجاني المعروف"، وإيجاد حلول سياسية تشبه وصفة الطبيب .. لكنها تقطع عمليا أي رؤية لشكل اجتماعي قادر على التفكير بنفسه وبمستقبله

مصادر
سورية الغد (دمشق)