من بين 19 فصلاً يتكون منها ميثاق الأمم المتحدة، يحظى الفصل السابع بشهرة واسعة في العالم العربي والإسلامي. وبسبب هذا الفصل، أصبح مجلس الأمن الدولي، وربما الأمم المتحدة عموماً، بمثابة نذير شؤم بالنسبة إلى كثير من العرب والمسلمين. فالفصل السابع يقترن عندهم بفرض عقوبات على بعض بلادهم، أو باستخدام القوة العسكرية ضدها. ومجلس الأمن هو الذي يخص هذه البلاد بالقرارات المستندة على الفصل السابع.
ولذلك أصبح التوجس من مجلس الأمن والفصل السابع، أحد الملامح التي تشكل نظرة كثير من العرب إلى المجتمع الدولي. ولهذا التوجس ما يبرره فعلاً وله أسبابه الحقيقية. ولذلك لا يمكن أن نرده إلى نظرية المؤامرة التي ازداد أثرها في العقل العربي في السنوات الأخيرة.
ربما نجد مبالغة في النظرة السائدة إلى مجلس الأمن الدولي باعتباره نذير شؤم للعرب والمسلمين دون غيرهم. وقد يكون هناك قصور في تقدير سوء أداء حكومات بعض الدول العربية والمسلمة التي تضع نفسها وشعوبها في موضع يصعب فيه الدفاع عنها، ويوفر مبررات لمن يريد معاقبتها. فالحماقة السياسية تورد موارد التهلكة.
غير أن بعض القوى الدولية الكبرى تتصرف، بدورها، بطريقة لا تخلو من حماقة حين تستسهل اللجوء إلى الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة في غير محله، أو دون أن تكون هناك ضرورة لذلك. وقضية المحكمة ذات الطابع الدولي التي تتولى قضايا الاغتيالات السياسية في لبنان، وفي مقدمتها قضية اغتيال رفيق الحريري، مثال واضح على ذلك.
فالإصرار على إنشاء هذه المحكمة بقرار من مجلس الأمن واستناداً على الفصل السابع، يزيد الاحتقان الذي وصل إلى مرحلة الخطر الذي يهدد بنشوب حرب أهلية، دون أن يفيد في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة والقصاص من المجرمين الذين ارتكبوا جرائم بشعة.

فكشف خبايا الاغتيالات السياسية الكبرى هو من أصعب الأمور. ولدينا سجل حافل بالفشل في هذا المجال في كل مكان، من الولايات المتحدة إلى أفريقيا. ومن السذاجة تصور أن ما هو صعب في الظروف الطبيعية لن يكون أكثر صعوبة في ظل الانقسام العميق الذي يضرب لبنان الآن، ويشطره إلى معسكرين كبيرين يزداد ميل كل منهما إلى التخندق في مواقعه يوماً بعد يوم.
ويعطي هذا الاستسهال في اللجوء إلى الفصل السابع انطباعاً بأن القوى المهيمنة على مجلس الأمن تستهدف العرب والمسلمين دون غيرهم، وأن هذا المجلس متفرغ لهم دون غيرهم.
وهذا انطباع غير دقيق، مثله مثل كثير من الانطباعات المتعلقة بالعلاقات الدولية. فقضايا منطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي عموماً، لا تعتبر طاغية على عمل مجلس الأمن من الناحية الكمية على رغم أن هذه المنطقة هي الأكثر إنتاجاً للصراعات والأزمات والانفجارات في عالم اليوم.
فقد أصدر مجلس الأمن 91 قراراً خلال العام الماضي (2006)، كان من بينها 26 قراراً بشأن قضايا الشرق الأوسط، أي أقل قليلاً من 30% من إجمالي هذه القرارات. ومن بينها 6 قرارات عن لبنان، كان واحد منها فقط بشأن الحرب المدمرة حيث انتظر المجلس 33 يوماً كاملة قبل إصداره. وكان مفترضاً أن يصدر هذا القرار (1701) قبل ذلك بكثير. وهذه هي المرة الأولى التي يصمت فيها المجلس لأكثر من شهر في حاله حرب ولا يصدر قراراً يدعو إلى وقف إطلاق النار.
وقد أدى ذلك إلى مزيد من الاستياء من هذا المجلس في العالم العربي والإسلامي. لكن كان الاستياء هذه المرة لأنه لا يصدر ما يكفي من قرارات، وليس بسبب الانطباع السائد عنه وهو أنه لا يكف عن إمطارنا بقراراته.
وبينما لم يصدر المجلس خلال عام 2006 سوى قرارين اثنين عن العراق الذي تسيل فيه الدماء أنهاراً كل يوم، فقد حظيت قضية دارفور السودانية بنصيب الأسد من قراراته (عشرة قرارات).
وإذا اعتبرنا هذا العدد الكبير من القرارات مؤشراً على استهداف السودان، قد نواجه مشكلة في تفسير أن قرارين فقط صدرا طول العام 2006 بشأن أزمة البرنامج النووي الإيراني على رغم شيوع الاعتقاد في أن طهران بدورها مستهدفة، بل يوجد ميل غالب إلى اعتبارها الأكثر عرضة للاستهداف.
ولذلك لا يصح الربط بين عدد القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن وتوجهات القوى الدولية الكبرى صاحبة النفوذ الأعظم في هذا المجلس، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
فالتحليل الكمي لا يدعم مثل هذه العلاقة. وحالة عام 2006، التي تدل على ذلك، متكررة في الأعوام السابقة.
ومع ذلك يظل نوع القرارات التي يصدرها المجلس دالاً على ميل القوى الدولية الكبرى المسيطرة عليه إلى توسع نسبي في استخدام الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة، وإفراط في الاعتماد على لغة التهديد والوعيد، حين يتعلق الأمر بقضايا عربية وإسلامية بدرجة أكبر من غيرها.
ويعد القرار الخاص بإنشاء محكمة ذات طابع دولي للنظر في قضايا الاغتيالات السياسية في لبنان، دليلاً على التوسع في استخدام الفصل السابع. وهذا هو ما يؤدي إلى ازدياد التشاؤم من دور مجلس الأمن لدى أعداد متزايدة من العرب والمسلمين، خصوصاً وأن القوى الكبرى في هذا المجلس لا تتذكر الفصل السابع حين يتعلق الأمر بالاعتداءات التي تقوم بها إسرائيل والانتهاكات التي ترتكبها في حق قرارات المجلس نفسه.
فكم من قرارات أصدرها مجلس الأمن بشأن قضية فلسطين وغيرها من قضايا الصراع العربي- الإسرائيلي، وبقيت محفوظة في أدراج الأمانة العامة للأمم المتحدة، لأن إسرائيل ضربت عرض الحائط بها. ومن بينها قرارات كان من شأن تنفيذها تغيير المشهد البائس الراهن في الشرق الأوسط. ولم يكن منها قرار واحد صدر تحت الفصل السابع، الأمر الذي يعزز الانطباع بأن هذا الفصل لا يحضر إلا في القرارات التي تصدر ضد دول عربية ومسلمة. ومن الطبيعي أن يسأل كثير ممن لديهم هذا الانطباع، مثلاً، عما إذا كانت قضايا الاغتيال السياسي في لبنان أشد خطراً من غزوات واعتداءات إسرائيلية كبيرة ومتكررة منذ عام 1978.
فقد أصدر المجلس عشرات القرارات في هذا المجال، منذ القرار 425 الذي طالب إسرائيل بوقف هجومها على لبنان وسحب قواتها من أراضيه واحترام استقلاله وسيادته. ولم تمتثل إسرائيل لذلك القرار، ولا للقرار 426 والقرارات التالية، ولم تسحب قواتها من الجنوب اللبناني، بل أضافت إليها أرتالاً في الغزوة الكبيرة التالية عام 1982. كما لم تنفذ القرارات التي أصدرها المجلس بشأن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، بدءاً بالقرارين 508 و509.
كل ذلك... ولم يتذكر أصحاب النفوذ الأكبر في مجلس الأمن أن في ميثاق الأمم المتحدة فصلاً سابعاً.
ألا يكفي هذا كله لكي يعتقد بعض العرب والمسلمين اليوم، وبعد هذا السجل الطويل، أن الفصل السابع يستهدفهم دون غيرهم... وكيف لمن يعرفون أن الأمر ليس كذلك أن يقنعوهم بغيره؟!

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)