من الصعب تصور الحياة السياسية في لحظة يظهر فيها التوتر واضحا على مساحات من البيانات أحيانا، والمقابلات المتلفزة التي تظهر لنا ان المواطن هو في النهاية رهن خيارات محددة. ولأن الحياة السياسية التي يتم التحدث عنها اليوم محصورة وسط شكل يأخذ طابعا نمطيا، فإننا لا نستطيع تجاوز كم الملاحظات التي نتلقاها يوميا من وسائل الاتصال الجماهيري.

الحياة السياسية تشكل اليوم اختصارا لجملة من الخيبات التي شهدتها الأجيال السابقة، عندما أصبحت السياسية رمزا للعمل العام، عندما اعتبر البعض أن التحول الاجتماعي لا يتم إلا عبرها، وكما يتوهم آخرون اليوم أن التحول الديمقراطي لن يكون إلا بها. ومع أهمية الهدفين "التحول الاجتماعي والديمقراطي" فإن الحياة السياسية قادتنا في النهاية إلى أزمات متلاحقة على الأقل في مستوى التفكير بالحلول. لنرث بعد نصف قرن "هياكل حزبية" إن صح التعبير موزعة داخل الوطن.

المشكلة اليوم أن معظم الأفكار التي شكلت محور الحراك الاجتماعي بعد مرحلة الاستقلال انتهت إلى "جملة مواقف"، بينما ابتعدنا اكثر عن استيعاب التفاصيل الخاصة بنا ... وحصل الافتراق ما بين الفكر الذي يرسم الموقف إلى "الموقف" الذي يحاصر كل أشكال العمليات العقلية، أو حتى آليات التعامل مع الشأن العام الذي يجب أن يؤسس للحياة السياسية.

ما نعايشه اليوم لا يتعلق بمساحات الحريات فقط، او بالبحث عن "المواطنة" داخل دولة حديثة ... ما نواجهه واقعيا ربما يرتبط بقدرتنا على الخروج من تبعيتنا "للموقف" والدخول في عملية التفكير من جديد. فالحدود الذي نرسمها اليوم هي الإرث الثقيل من تاريخ ارتبط بنا في مساحات الأزمات الخانقة، ثم أصبح نوعا من "التقليد" السياسي سواء في مجال المعارضة أو ضمن "السياسية الرسمية".

عندما نتحدث عن الحياة السياسية اليوم فإننا نريد الدخول في العمق ... في مرحلة التأسيس لظاهرة جديدة هي في الواقع "فوق سياسية" لأن تطال ثقافتنا من جديد ... وتعبر عن المساحات التي نريدها لنعبر نحو الغد، بعد أن أصبحت المواقف هي المعبر الوحيد عنا، وانتهت القدرة على التفكير الجديد أو كتابة المستقبل بالعقل ... بالعقل وحده

مصادر
سورية الغد (دمشق)