على الرغم من الجدية التي كانت بادية على وجوههم، إلا أن اللاعبين كانوا يتبادلون بين الحين والآخر النكات، وهم يتدربون، بينما كان صوت الإنفجارات الضخمة الناجمة عن قيام طائرات جيش الاحتلال بقصف مواقع في المدينة تتردد في جميع أرجاء المدينة التي تقع في الطرف الجنوبي من قطاع غزة، وكأن هذه الإنفجارات تهز منطقة أخرى. فلاعبو فريق نادي " خدمات رفح " منهمكين في الاستعدادات الأخيرة للمبارة النهائية التي حددت بطل الدوري الفلسطيني، حيث تنافس هذا الفريق أمام فريق "اتحاد الشجاعية ". ويشع مدير النادي درويش الحولي، تصميماً، وهو يتابع تدريبات الفريق. ويقول ل " الشرق الأوسط " أنه رغم الواقع السريالي،الذي يسود في قطاع غزة، والذي يستعصي على كل منطق، فأنه يتوجب عدم وقف مسيرة الحياة " وبكل تأكيد يجب عدم وقف مسيرة الرياضة الفلسطينية رغم المعيقات الكبيرة ". ويضيف " من السهل علينا أن نجد الأعذار الكثيرة بسبب الواقع المستحيل الذي نعيش، فبإمكاننا أن نعلق تقصيرنا على شماعة الاحتلال، أو الفلتان الأمني، أو تدهور الأوضاع الإقتصادية بالغة السوء، الى جانب تدهور الأوضاع النفسية للجمهور الفلسطيني الذي لم يعد متحمساً للأنشطة الرياضية بسبب ما يتعرض له من ممارسات ". والمباراة التي ينتظرها لاعبو فريق " خدمات رفح " والتي انتهت بفوزه، اختتمت " أغرب " دوري رياضي في العالم، كما يقول ل " الشرق الأوسط "، جمال أبو حشيش، الناطق الإعلامي بإسم إتحاد كرة القدم الفلسطيني. ويوضح أبو حشين أن مسيرة هذا الدوري بدأت في مطلع العام 2005، ومع أنه كان يتوجب أن ينتهي في غضون ستة أشهر على أكثر تقدير، لأنه دور تصنيفي، ويهدف فقط لتحديد مكانة كل فريق في الدرجة الممتازة والأولى والثانية والثالثة؛ إلا أنه إمتد الى أكثر من عامين. وحول الأسباب التي أدت الى استغراق الدوري كل هذا الوقت، يقول أبو حشيش، أن الدوري بدأ قبل تنفيذ خطة " فك الارتباط "، حيث كان جيش الاحتلال لازال يحتل اجزاءاً كبيرة من قطاع غزة، وكان يكثر من إقا مة الحواجز العسكرية على الشوارع الرئيسية في قطاع غزة، الأمر الذي جعل من المستحيل على الفرق الرياضية أن تتحرك من مكان الى آخر، فكان يتم اجراء المباريات بين الفرق التي تقطن في مناطق متجاورة، بينما تم تأجيل المباريات بين الفرق التي تقطن في بقية المناطق، واستمر هذا الوضع حتى تنفيذ خطة فك الارتباط في ايلول من العام 2005، وبعدها توقف الدوري بسبب اهتمام الجماهير بالوضع الجديد الناجم عن تنفيذ فك الارتباط. وينوه الى أنه في مطلع العام 2006 استأنف الدوري، لكن مع اجراء الانتخابات التشريعية وما اعقبها من اختطاف للجندي الاسرائيلي جلعاد شليت وما تمخض عنه من عمليات عسكرية اسرائيلية في قلب قطاع غزة، توقف الدوري من جديد.

الرياضة والفلتان الامني

ابراهيم ابو شعر، المعلق الرياضي الفلسطيني يشير الى بعد آخر يؤثر وبشكل كبير على مسيرة الرياضة الفلسطينية، ومن ضمنها على مسيرة الدوري، وهو الفلتان الأمني الذي يجتاح قطاع غزة، والذي جعل من المستحيل في بعض الأحيان انهاء مبارة بين فريقين بسلام. ويقول ل " الشرق الأوسط " أن حالة الفلتان الأمني شكلت عاملاً اضافياً اعاق مسيرة الرياضة الفلسطينية بشكل واضح، حيث دفع غياب سلطة القانون الكثير من الأندية الى تأجيل الكثير من المبارايات. والمثال الصارخ على وطأة تأثير القمع الإسرائيلي ونار الفلتان الأمني على المسيرة الرياضية هو الأجواء التي ستنظم فيها المبارة النهائية لكأس الدوري، حيث أن هذه المبارة ستعقد بدون جمهور. ويضيف درويش الحولي أنه توصل لاتفاق مع إدارة نادي " اتحاد الشجاعية "، الذي تنافس مع فريقه في هذه المبارة لإتفاق ينص على أنه بسبب غياب ضمانات أن تسير أحداث المبارة بسلام لعدم وجود قوى امنية قادرة على ضبط الأمور، فأنه يتوجب اجراء المبارة بدون الجمهور، وجرت على أرض محايدة، على ملعب " محمد الدرة " في مدينة " دير البلح "، في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، حيث اقتصر الحضور على ادارتي الفريقين وممثلي وسائل الاعلام ووزراة الشباب والرياضة. وبهذا انتهى الدوري الذي استمر لأكثر من عامين بمباراة تتم بدون حضور جمهوري الفريقين المتنافسين، خوفاً من حدوث ما لا تحمد عقباه. " مؤسف وقاس "، يقول الحولي " لكنه يبقى أفضل ألف مرة من أن تنتهي المباراة بشكل غير لائق ". أما التحدي الأبرز الذي يواجهه الرياضة الفلسطينية، فيتمثل في تدهور الأوضاع الإقتصادية، وتفاقمها بشكل غير مسبوق في أعقاب فرض الحصار على الشعب الفلسطيني أثر فوز حركة حماس في الانتخابات. ويقول أبو حشيش أن الأندية الرياضية لا تملك ميزانيات، ووزراة الشباب والرياضة لا تقدم شئ بسبب الحصار، ناهيك عن أن الشركات التي كانت تقدم مساعدات مالية للأندية توقفت عن ذلك بسبب تدهور الأوضاع الإقتصادية، ناهيك عن عدم وجود بنية تحتية للرياضة الفلسطينية. وينوه الى أنه بسبب النقص ف ي الملاكات للأندية، فأن كل اثنى عشر نادياً يشتركون في ملعب واحد، وذلك بسبب عجز المؤسسات الرسمية عن القيام بأي إستثمار في مجال البنى التحتية التي تخدم الرياضة الفلسطينية، وينوه أبو حشيش الى أنه بإستثناء مليون دولار تدفعه " الفيفا " لإتحاد كرة القدم الفلسطيني كل اربع سنوات، فأنه لا يتم دفع مليم واحد لدعم الرياضة الفلسطينية. ويبقى الإستهداف الإسرائيلي لملاعب كرة القدم هو أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الرياضة الفلسطينية. فقبل عام قامت طائرات الإف ستة عشر الاسرائيلية المقاتلة بقصف معلب اليرموك، الإستاد الرياضي المركزي في قطاع غزة بقنابل تزن الواحدة طناً من المتفجرات، الأمر الذي ألحق به الكثير من الأضرار.

منتخب ممزق

لكن المشاكل التي يواجهها المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم تبدو أكثر تعقيداً وصعوبة. فكما هو معروف، فأن المنتخب الوطني مكون من لاعبين من قطاع غزة والضفة الغربية والشتات. وبسبب الفصل التام بين الضفة والقطاع واستحالة التواصل بينهما، فأن إدارة المنتخب تكون ملزمة بتنظيم معسكرات التدريب خارج حدود فلسطين، سيما في مصر والأردن، واحياناً في سوريا وقطر، مع العلم أن إتحادات كرة القدم في هذه الدول تستضيف المنتخب الفلسطيني على ملاعبها، وتسدد تكاليف إقامة لاعبيه وادرته. وقبيل أي مبارة للمنتخب، يتوجه اللاعبون من قطاع غزة الى مصر، في حين يتوجه اللاعبون من الضفة للاردن ومنها الى مصر. أما لاعبو الشتات فيفدون من الاردن وسوريا ولبنان والكويت. الأوضاع البائسة التي يحياها لاعبو المنتخب وإدارته، وإنعدام الموارد الإقتصادية تجعل الكثير من مشاركة المنتخب في الكثير من البطولات العربية والأقليمية والدولية، في كثير من المباريات لمجرد إثبات الوجود. فمثلاً سيغادر المنتخب بعد أيام الى مصر لإقامة معسكر تدريب استعداداً لبطولة " غرب آسيا "، لكن بالنسبة لأبو حشيش، لا يوجد أية أوهام، فالمجموعة التي سيلعب ضمنها المنتخب الفلسطيني تضم كلاً من إيران والعراق، وهما فريقان قويان، وبالتالي، فأنه لا مجال للحديث عن تحقيق ثمة إنجازات، لكنه مثل بقية زملائه في اتحاد كرة القدم، يرى ابو حشيش في مشاركة فلسطين في هذه البطولات نوعاً من تكريس الوجود الوطني الفلسطيني الذي يتوجب أن يتواصل.

وزير تحت الأرض

حاولت " الشرق الأوسط " الحديث مع وزير الشباب والرياضة الدكتور باسم نعيم، لكن لم يتسنى ذلك، لأن نعيم هو أحد قيادات حركة حماس الذين وردت اسماؤهم في قائمة التصفيات التي اعدتها اسرائيل، في اعقاب قيام حركة حماس بقصف المستوطنات اليهودية في منطقة النقب؛ وقد نزل نعيم للأرض شأنه شأن معظم قيادات الحركة. فتوجهنا لأحمد محسين مدير عام ديوان الوزير، الذي يرسم صورة بالغة القتامة عن وضع الرياضة الفلسطينية بسبب الحصار الإقتصادي الذي تكابده مناطق السلطة الفلسطينية. ويضيف " المال هو أحد المتطلبات الأساسية لنجاح الرياضة، وبدونه لا يمكن الزعم أن هناك انشطة رياضية تمارس ". ويشير الى أن رئيس الوزراء اسماعيل هنية عندما شغل في الحكومة السابقة منصب وزير الشباب والرياضة عمل جاهداً على توفير ميزانيات للأندية والفرق الرياضية، مشيراً الى أن هنية استطاع تجنيد بعض الأموال التي استخدمت في دفع حوافز اللاعبين، حيث قام بمنح مكافآت للفرق التي فازت بالبطولات الرياضية وللاعبين الذين كان لهم اداءاً متميزاً. ويضيف أن انجاز هنية الكبير تمثل في الاتفاق الذي توصل اليه مع حكومة قطر ويقضي ببناء مدينة رياضية، وسط قطاع غزة، منوهاً الى أنه سيتم اقامة هذه المدينة على مساحة 91 دونم من الأراضي، على الأراضي التي كانت قائمة عليها مستوطنة " نيتساريم "، جنوب مدينة غزة. ويشير الى أن الوزير نعيم واصل دفع هذا المشروع قدماً، منوهاً الى انه اجرى اتصالات مع المسؤولين العرب للتوصل لاتفاقيات تنظم انتقال اللاعبين الفلسطينيين للعب في الاندية العربية، ناهيك عن مد فلسطين بالاستشارات في مجال الانشطة الرياضية حتى تكون متطابقة مع المعايير العالمية الى جانب عقد اتفاقات تسمح بتمويل الدول العربية للأنشطة الشبابية في فلسطين. وأشار الى أن أكثر من 65% من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة هم ممن تقل اعمارهم عن الثلاثين عاماً، الأمر الذي يعني ان العبء الذي يتوجب أن تقوم به الوزارة كبير جداً، لو كان هناك ثمة موارد تسمح بذلك.

الفرق وانتماءاتها السياسية

الفرق الرياضية في قطاع غزة تنقسم الى ثلاثة أنواع، وهي فرق اقامتها وكانت تمولها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأنروا "، ويطلق عليها نوادي " الخدمات "،" وقد توقف دعم الأنروا لها، وادارات هذه النوادي مقربة من حركة " فتح ، الى جانب نوادي اقيمت بمبادرات البلديات ومؤسسات الحكم المحلي، وفرق ونوادي تتبع جمعيات أهلية مرتبطة بحركة حماس. الى جانب ذلك، فأن هناك فرق المساجد، حيث أن الكثير من المساجد في قطاع غزة لها فرق رياضية، وكانت فرق المساجد من الفرق التي تستحوذ على اهتمام قطاعات واسعة من الفلسطينيين، حيث كان ينظم كل عام دوري لفرق المساجد، لكن تفاقم الأوضاع الأمنية وتدهور الأوضاع الإقتصادية قلص الى حد كبير الدافعية لمواصلة هذه الأنشطة، في ظل التعريف الإسرائيلي لمصطلح " البنى التحتية للإرهاب "، الذي يضم فيما يضم، أيضاً النوادي والفعاليات الرياضية لحركة حماس.

معلومات متفرقة

1- عدد الأندية: 343، 300 في الضفة، و43 في القطاع. مع العلم ان الأغلبية الساحقة من اندية الضفة هي اندية صغيرة وغير جدية.

2- عدد الاستادات الرياضية: 29 استاد، سبعة في القطاع، و22 في الضفة، اكبرها استاد اليرموك في غزة

3- عدد الفرق المشاركة في الدوري 120 في الضفة والقطاع.

4- اللاعبون لا يمارسون الاحتراف، ولا يتقاضون أي مرتبات، او حتى مكافآت. ويقول جمال ابو حشيش الناطق بلسان اتحاد كرة القدم الفلسطيني أنه حتى اعضاء المنتخب لا يتقاضون أي مرتبات أو حوافز، اللهم مبلغ بسيط من المال عندما يسافرون للمشاركة في البطولات العربية والدولية " poket money "

5- التمويل يقتصر على مبلغ مليون دولار تقدمه الفيفا كل اربعة سنوات، بالاضافة الى مساعدات تقدمها الدول الرعربية بشكل غير محدد.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)