جغرافيا تنحصر أزمة تنظيم فتح الاسلام في بقعة صغيرة من الشمال اللبناني، حيث المواجهات الدائرة علي نار خفيفة بين الجيش اللبناني ومجموعة من المقاتلين الإسلاميين المتمركزين في مخيم نهر البارد الفلسطيني. لكن سيل الاتهامات والتكهنات في لبنان وخارجه يشير الي احتمالات عدة حول هوية الجماعة وأهدافها وارتباطاتها.
يعود تاريخ ظهور هذا التنظيم الي حوالي عام، حين صدر بيان يحمل اسم فتح الإسلام شرح فيه (التنظيم) الأطر العامة لحركته، والتي تقوم علي الجهاد لتحرير فلسطين من منطلقات إسلامية، شاء وضعها في مواجهة الفكر التقليدي لسائر الفصائل الفلسطينية التي اتهمها بالفساد أو العلمانية، علي حد تعبيره.
وتعتقد واشنطن بوجود صلات بين هذا التنظيم والقاعدة، وعزز من تلك الشبهات لجوء التنظيم الي استخدام أدبيات القاعدة وشعاراتها وأساليبها الإعلامية، وقد دأب علي بث بياناته باستخدام مواقع إلكترونية، غالباً ما تبث بيانات وأشرطة لتنظيمات متشددة، بالتزامن مع تحذير القائد السابق للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان من إمكانية قيام القاعدة باستهداف قواته. ويري مراقبون ان هناك احتمالين، الأول أن تكون فتح الإسلام ، تعمل في لبنان لخدمة مصلحة النظام السوري. والثاني أن تكون مرتبطة بتنظيم القاعدة ، عقائديا أو تنظيميا. لكن كيف يمكن لمقاتلين يعملون لصالح استخبارات دولة تتبع نظاما علمانيا أن يبدوا التزاما أصوليا الي حد تفجير أنفسهم، كما حصل خلال المواجهات؟ صحيفة نيويورك تايمز الصادرة يوم الإثنين 28 أيار (مايو) قالت في تقرير غني بالمقابلات يرد فيه أن حرب العراق، التي اجتذبت منذ سنين مسلحين من أنحاء العالم، بدأت بتصديرهم الي دول مجاورة وأبعد . ويقول التقرير إن بعض المقاتلين يرحل ضمن موجات اللاجئين من العراق، في حين أن البعض الآخر يتم إرساله من العراق لتنفيذ مهمات محددة. وتذكر الصحيفة علي سبيل المثال مخططا لتفجير انتحاري في مطار الملكة علياء في الأردن قالت السلطات هناك إنها كشفته وحصلت علي اعترافات بشأنه. وتنقل الصحيفة عن مدير عام الأمن العام اللبناني أشرف ريفي قوله إن أي بلد يعتقد أنه بمنأي عن احتمال انتشار القتال خارج العراق، فهو يضع رأسه في الرمال .
كما تنقل عن ريفي قوله إن بين أعضاء فتح الإسلام ما قد يصل الي 50 مقاتلا قادما من العراق. وتنقل الصحيفة عن محمد المسعري الناشط السعودي المعارض المقيم في لندن قوله إن في لبنان الآن 50 مقاتلا، لكن يمكنني أن أقول ببعض الحذر إن ثمة ...5000 آخرين أو أكثر ينتظرون اللحظة المناسبة للتصرف. .
وتضيف الصحيفة أن المسعري، الذي تقول إنه يدير موقعا الكترونيا جهاديا، أكد أن القتال سيكون في كل مكان الي أن تبدي الولايات المتحدة استعدادا للتوقف .
كما نقلت الصحيفة عن زعيم فتح الإسلام شاكر العبسي قوله في وقت سابق من هذا الشهر إن القوات السورية قتلت صهره فيما كان يحاول عبور الحدود الي العراق للانضمام الي المسلحين . وكانت التقديرات الأولية ترجح أن عدد عناصر التنظيم لا يتجاوز 150 مقاتلاً، غير أن قدرتهم علي المناورة ضمن منطقة واسعة نسبيا مثل قضاء طرابلس، الأمر الذي أوحي لإحتمال أن عددهم أكبر بكثير مما هو مقدّر، أو أنهم تلقوا دعما من شبكة التنظيمات المتشددة المحلية، التي سبق وخاضت مواجهات دامية مع الجيش اللبناني عام 2000.
التقارير تفيد أن تلك المجموعة انشقت في بادئ الأمر عن تنظيم فتح ـ الانتفاضة، الذي يقوده أبو موسي وأبو خالد العملة من دمشق، وهو تنظيم مقرب من النظام السوري، سبق له وأنشق بدوره عن حركة فتح في أواسط العقد الثامن من القرن الماضي، علي خلفية النزاع بين دمشق ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقاد انشقاق فتح الإسلام، شاكر العبسي، وهو عضو سابق في حركة فتح، أرسلته الحركة في السبعينات الي ليبيا للتدرب علي الطيران، وعاد بعدها ليظهر في الأردن عام 2002، حيث يُنسب إليه الضلوع باغتيال الدبلوماسي الأمريكي لورنس فولي، وقد صدر بحقه حكم غيابي بالإعدام في هذه القضية.
ولا يعرف علي وجه التحديد طبيعة العلاقة التي ربطت العبسي بسائر المتهمين في هذه القضية، وعلي رأسهم الزعيم السابق لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي بعد ذلك ظهر العبسي في دمشق، حيث صدر بحقه حكم بالسجن بتهمة محاولة إدخال أسلحة الي الأردن لضرب أهداف إسرائيلية عام 2002، وأطلق سراحه بعد عامين فقط، ليعود فيظهر فجأة في معسكر تابع لتنظيم فتح الانتفاضة في بلدة حلوة اللبنانية، الواقعة علي الحدود السورية لجهة البقاع الغربي. وقد غادر العبسي المعسكر مع عدد مع أنصاره بعد اشتباك مع عناصر من الجيش اللبناني، ليستقر في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بشمال لبنان، وخاصة في مخيمي البداوي ونهر البارد، حيث أخذ من موقع مؤسسة صامد التابع لـ فتح الانتفاضة مركزاً له، قبل أن تدّعي تلك الأخيرة أنه استولي عليها بالقوة. وطرح اسم فتح الإسلام بقوة في 12 آذار(مارس) الماضي، لأتهامه في تنفيذ تفجير حافلتي ركاب في منطقة عين علق، ذهب ضحيتها ثلاثة قتلي والعديد من الجرحي، حيث تم توقيف بعض المشتبهين، واتهم وزير الداخلية اللبناني حسن السبع صراحة الاستخبارات السورية برعاية التنظيم، قائلاً إن الجميع يعرف من هي الجهة التي تقف وراء ما يسمي بـ(فتح الإسلام) أو (فتح الانتفاضة)، التي هي جزء من الجهاز الاستخباراتي السوري. . ونفت سورية بحزم هذه الإتهامات، مؤكدة أن المجموعة تنتمي الي تنظيم القاعدة ، حيث قال وزير الداخلية السوري، اللواء بسام عبد المجيد، إن فتح الإسلام أحد تنظيمات القاعدة التي تخطط لأعمال إرهابية في سورية. .
وبرز في تحقيقات قضية عين علق وجود أربعة موقوفين سوريين وثلاثة سعوديين علي الأقل، حيث تردد أنهم أوقفوا في مطار بيروت الدولي، وبينهم عبد الله بيشي، وهو مطلوب في السعودية، قيل إنه دخل لبنان من سورية قادماً إليها عبر إيران.
غير أن المصادر الأمنية المتابعة عزت وجود السعوديين في هذه المجموعة الي وقوعهم في شرك الخداع، حيث كانوا يرغبون بالذهاب الي العراق، وقد تم إيهامهم بذلك، غير أنهم اكتشفوا أن المجموعة ترغب بتنفيذ عمليات في لبنان، مما دفعهم الي محاولة المغادرة، لتوقفهم القوي الأمنية اللبنانية في مطار بيروت.
وبعد ذلك أعلنت فتح الإسلام في بيان نشر علي أحد المواقع المتشددة، أن الجيش السوري قتل في 11 من الشهر الجاري أربعة من عناصرها أثناء محاولتهم التسلل الي العراق للقتال ضد القوات الأمريكية، الأمر الذي اعتبرته المعارضة اللبنانية دليلاً علي براءة دمشق من دعم التنظيم، علماً أن السلطات السورية لم تعلق علي البيان حتي الآن.
ولم يصدر عن تنظيم القاعدة ما يؤكد صلته بجماعة فتح الإسلام، علي غرار ما حدث مع التنظيمات المتشددة المغربية. كما أن الجماعة تجنبت الإشارة الي ما إذا كانت بحق تابعة للقاعدة. ولهذا، فيبقي مصدر المعلومات وصلات هذه الجماعة بباقي التنظيمات المتشددة، مصدره ما يرشح من أجهزة الأمن اللبنانية، والتي ألمحت الي وجود مقاتلين سابقين في العراق بين صفوفها.
ويذكر أن بعض المخيمات الفلسطينية تشهد انتشاراً لتنظيمات متشددة أخري، سبق وأن اشتبكت مع الجيش اللبناني ومع حركة فتح في مناسبات عدة، وأبرزها تنظيم جند الشام ، المتمركز في مخيم عين الحلوة، قرب مدينة صيدا الجنوبية، والذي يتردد انه عقد اتفاقاً تنسيقياً مع فتح الإسلام.
علي أن الجماعة المتشددة، صاحبة الوجود الأقوي في المخيمات الفلسطينية خارج إطار التنظيمات المعروفة ضمن منظمة التحرير أو حركتي حماس والجهاد الإسلامي هي عصبة الأنصار ، التي يقودها عبد الكريم السعدي، المعروف بـ أبو محجن ، والتي خاضت معارك عنيفة في السابق ضد أبرز القوي الفلسطينية، حركة فتح، لتثبيت وجودها في عين الحلوة.
وقد أشارت العديد من التقارير الي ارتباط هذه الجماعة، بجماعة قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، خاصة أثناء حقبة قيادة أبو مصعب الزرقاوي، حيث كانت تشرف علي إمداده بمقاتلين لبنانيين وفلسطينيين. وبين إصرار الحكومة اللبنانية علي دور الأمن السوري في إخراج شاكر العبسي السريع من السجن، و تسريبه عبر الحدود باتجاه لبنان مع عناصره المتشددة، وبين اتهام المعارضة للحكومة، بغض الطرف عن بعض الظواهر السنية المتشددة في مواجهة النفوذ المسلح للشيعة، يدفع الأمن اللبناني الداخلي الفاتورة الأكبر

مصادر
القدس العربي (المملكة المتحدة)