لا شك أنها أسئلة صعبة تفتح اليوم عبر التقارير التي تتحدث عن انتشار القاعدة سواء في فلسطين أو لبنان، وتحمل معها الصور النمطية لهذه الظاهرة التي تطورت مع "مكافحة الإرهاب"، فالعالم الذي أراده الرئيس بوش أكثر أمنا يرتد بشكل سريع نحو صياغة تشكيلات جديدة في الشرق الأوسط، تنهي بشكل سريع الكثير من المفاهيم التي سادت عالمنا منذ بداية القرن الماضي.
"انتشار القاعدة" ينهي حتى الظواهر التي بدأت منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وأدت لظهور حركة حماس على سبيل المثال، فخطورة هذا الانتشار تتجلى بتغير مفاتيح الصراع ومحدداته الأساسية؛ فعلى الصعيد المدني سينتهي هذا الترابط الذي ميز الانتفاضة الأولى والثانية في كونها حركة استقلال بكل معنى الكلمة، وأنها تعبير لارتباط المجتمع بالأرض وسيادته عليها، ففكر "القاعدة" لا أرض له... وهو يستطيع أن يتبنى أي حدث سياسي ليصعد أو ينخفض عليه.
إقليميا يبدو من الصعب فهم ظاهرة القاعدة بغض النظر عن تجربتها في أفغانستان، فهي وليدة هذه الجغرافية التي وسمتها بطابع "ما قبل الدولة" وربما "ما قبل" ارتقاء المجتمع وتبلور المصالح داخله، فعندما نسمع عن انتشار القاعدة فهذا يعني اننا مقبلون على مرحلة "بدوية" المجتمع بمعنى تقسيمه إلى قبائل متنافرة.
لكن "تنظيم القاعدة" يبقى عاملا مجهولا، فهو لا يشكل بأي معنى ارتباطا مع تفاصيل المجتمع وربما معاناته، طالما أنه وفق ما نسمع على الأقل مكونا من مجموعات غريبة، فعندما يظهر هذا التنظيم داخل الحدث فإن ما يرد حوله يرتبط بظلال أشخاص يلقبون بـ"الشامي" و "المصري" و "البغدادي"، فهو من الناحية العملية ليس متنقلا فقط إنما قادر على نقل "المشاكل" من بلد لآخر، وخلق قضايا هامشية تشتت عمليا أي معنى لمصالح مجتمع محدد بجغرافية واضحة.
مسألة القاعدة ربما تكون "مهمة خوف" تنتشر بسرعة عبر وسائل الإعلام، وهي في نفس الوقت عاجزة عن الحياة ضمن مجتمعات واضحة المعالم، أو تعيش في مرحلة الدولة وتنظيماتها المختلفة، لذلك فإن مسألة "تكسير الدولة" تشكل المهمة الأولى قبل انتشار مثل هذا التنظيم... ومرحلة ما قبل السياسي هي الشرط الأساسي لظهوره وانتشاره، وربما لظهور أي تيار تكفيري... فمهمة الخوف تبدأ بتكسير الدولة أو تزييف المجتمع وإعطائه أبعادا لا تتناسب مع شخصيته فهل هذه مهمة القاعدة أم أساليب مكافحة الإرهاب كما تعرفنا عليه مؤخرا !!!

مصادر
سورية الغد (دمشق)