ماذا يعني أن يبقى الشعب العربي كله أسير هزيمة الخامس من يونيو/حزيران 1967م، كل هذا الزمن الطويل؟ أربعون عاماً بالتمام والكمال وصور الهزيمة وما رافقها من انكسارات واتهامات، ومن قصائد شعرية نائحة، وأخرى ناقدة وشامتة، حاضرة وثابتة في الذاكرة العربية، وكأن الهزيمة حدثت منذ أسابيع فقط.

والإجابة عن السؤال تستدعي إعادة النظر في الهدف الذي توخاه الأعدا، من وراء عدوانهم وهو باختصار شديد تحطيم أطروحات الوحدة العربية، وما انطوت عليه من طموح حضاري وإنساني، والحديث عن الأعداء بصيغة الجمع، يأتي للتأكيد على أن العدو الصهيوني لم يكن في تلك الحرب سوى رأس حربة لا أكثر، لحرب قامت بها الولايات المتحدة وأغلبية الدول الغربية التي رأت في الوحدة العربية وفي التوجه العربي خطراً يهدد مصالحها الاستعمارية، وأنه كان السبب في تحرير الكثير من المستعمرات، في أماكن عديدة كان آخرها تحرير جنوب اليمن والخليج العربي.

لقد وصلت بعض الأقطار العربية في أواخر الخمسينات، وبداية الستينات، وفي المقدمة مصر، إلى بداية التحول الاقتصادي والصناعي، وكان الحلم العربي في أوج انتصاره، لذلك كان لابد من كسر شوكة هذه المتغيرات، وهذا العطاء الذي يشكل نموذجاً بالغ التأثير ليس في المحيط العربي وحده، وإنما في مناطق كثيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث كان الصراع على أشده ضد الاستعمار القديم، الذي كان يمسك مواقع نفوذه بأسنانه وأظفاره، ويرى في مواقف مصر بقيادتها الثورية العربية، خطراً يهدد مصالحه في كل مكان. ومن هنا كان لابد من العمل على هزيمة القيادة العربية في مصر من أجل هزيمة الحلم العربي الكبير.

لكن ومع الاعتراف بأن الهزيمة كانت قاسية وساحقة، إلا أن الإحساس بها قد طال وصار اجترارها على مدى هذا الزمن الطويل، يشكل هزيمة ثانية، لا سيما إذا ما نظرنا إلى الآثار المترتبة على اجترار هذا الشعور المهزوم، وإطالة التفكير في تبعاته الآنية واللاحقة. وكان لابد أن نقرأ التاريخ وأن ننظر بوعي عميق إلى الواقع، لكي نتأكد أنه ما من أمة على الأرض لم تتعرض في تاريخها لهزيمة، أو أكثر لكن ما هو أخطر من الهزيمة، الاستسلام لها والانسياق وراء تداعياتها وما يجره ذلك الانسياق من شعور دائم بالانسحاق والشعور بالإحباط.

تبقى الإشارة إلى أن هزيمة 5 يونيو/ حزيران 1967م، لم تكن هزيمة للأقطار العربية التي دخلت الحرب وهي مصر وسوريا والأردن، وإنما كانت هزيمة قاسية وساحقة لكل الأقطار العربية، وأسوأ ما في هذه الهزيمة أنها كانت نفسية أكثر منها مادية، لذلك فقد ظلت تلاحق الإنسان العربي حتى اليوم، ولذلك فقد اعتبرها البعض انكساراً حقيقياً شاملاً للتوجه العربي وللهوية العربية، في حين رأى فيها آخرون بداية لحقبة عربية جديدة تقوم على التفكير الجاد والعملي في لملمة شتات الأمة العربية، والانطلاق إلى مزيد من التوحد، والتضامن في مواجهة الأعداء الذين يتكاثرون، ولا يستطيعون اخفاء أطماعهم وأحقادهم.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)