يبدو أن الغلطة الإستراتيجية الأمريكية في حل الجيش العراقي كانت أكبر من خطأ يرتكبه جيش محتل. فلا يمكن لأي محلل أي يرى ما حدث في العراق وكأنه ورطة أمريكية، كما أن الترتيبات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية لا يمكن وصفها بـ"أزمات متلاحقة" أو "ورطات" تدخل الجيش الأمريكي في متاهات فيتنام ثانية. فالإدارة الأمريكية على ما يبدو سعت منذ اليوم الأول للحرب إلى رسم خارطة جديدة للإرهاب، ووضع خطوط مثلث للعنف يمتد من أفغانستان ويمر بالعراق لينتهي في الشيشان.

هذا المثلث الذي ترتكز قاعدته في الشرق الأوسط يشكل التمهيد الضروري لجغرافية – إستراتيجية جديدة تسعى إليها الولايات المتحدة عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير. فاحتلال العراق شكل تأسيسا جديدا لمسار العنف الذي تراه واشنطن ضروري في هذه المرحلة، وهو قادر أيضا على خلق إزاحة للإرهاب من الولايات المتحدة باتجاه الشرق الأوسط. ووفق هذه الرؤية بدأ التعامل مع المنطقة ليس على أساس وجود الجيش الأمريكي كقاعدة لفرض سياسة جديدة، إنما لإنشاء واقع يفتح منافذ الإرهاب للمنطقة عبر تشتيت أي مسار سياسي نحو إجراءات أمنية لا تملك رابطا حقيقيا.

بحل الجيش العراقي ضمن سابقة لم يقم بها أي جيش احتلال في العصر الحديث، فإن الولايات المتحدة فتحت باب الاحتمالات أمام مستقبل المنطقة؛ تاركة جغرافية العراق مكشوفة رغم وجود الجيش الأمريكي بها. ولا يمكن فهم مثل هذا الإجراء على أنه خطأ ارتكبته القيادة الأمريكية، إنما كسياسة لفتح منافذ نحو أي تشكيل إرهابي كي يتسرب إلى العراق أو يخرج منها. ثم تطلب الولايات المتحدة من دول الجوار ضبط حدودها. بعد حل الجيش بدأنا نشهد عمليات إرهابية في تركيا والسعودية والعراق، إضافة لأخبار عن انتشار القاعدة وظهور خلايا حول العراق.

ربما يكون هناك تسرع في استنتاجات الحرب على العراق، فالجيش الأمريكي لا يظهر اليوم على أنه قوة أتت لتبقى، بل يبدو أنه قوة تشتيت سياسي أشعلت مسار العنف في المنطقة ككل، وفتحت منافذ للإرهاب داخل منطقة تشهد صراعات متعددة. والإستراتيجية الأمريكية استطاعت نقل معركتها على "القاعدة"، أو غيرها إلى الجغرافية التي تعتبرها محروقة، وبحاجة لتأسيس ثقافة جديدة ... ويبدو أننا اليوم أمام سؤال صعب بعد الحدث الأخير في العراق: هل الشرق الأوسط الكبير يحتاج إلى هذا الكم من العنف والاضطراب حتى يتم تأسيسه؟!!

مصادر
سورية الغد (دمشق)