واضح تماماً أن فرص نجاح الحوارات التي شرعت فيها الحكومة المصرية مع الفصائل الفلسطينية، كلاً على حده في القاهرة، تتوقف على قدرة الأطراف الفلسطينية المتحاورة، وتحديداً حركتي فتح وحماس على استعادة الثقة بينهما، والتي تلاشت في أعقاب تفجر الإقتتال الداخلي مؤخراً، إلى جانب وجوب الإتفاق على ملء الفراغات التي تركها إتفاق مكة، والتي كانت سبباً رئيسياً لاندلاع هذا الإقتتال بين الحركتين. واستعادة الثقة بين الجانبين تتطلب أن يتأكد كل طرف أن لدى الطرف الآخر النية الصادقة للتوصل لإتفاق حقيقي يجتث كل الأسباب التي يمكن أن تؤدي الى أحداث، مثل الأحداث المفجعة التي شهدها قطاع غزة مؤخراً. ويجب أن يشعر كل طرف أن الطرف الآخر لا يستغل فترة الحوار من أجل تعزيز قوته العسكرية ومراكمة كل أسباب القوة الكفيلة بمساعدته على حسم المواجهة مع الطرف الأخر في المستقبل.

ويتوجب على كل طرف أن يحرص جاهداً على إزالة الشكوك التي تراود الطرف الآخر حول تحركاته. فمثلاً على حركة فتح أن توضح موقفها من قرار الإدارة الأمريكية بتقديم عشرات الملايين من الدولارات لأجهزة الأمن التابعة لأبو مازن فقط من أجل أن يتم تعزيز هذه القوات في مواجهة حركة حماس، وهذا ما أكده علناً كل من ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، والجنرال كيث دايتون، المنسق الأمني الأمريكي لدى ادلائهما الأسبوع الماضي بإفادة أمام احدى لجان مجلس الشيوخ الأمريكي.

في نفس الوقت، فأن " فتح " مطالبة بتفسير لموافقة إسرائيل على قيام قوات حرس الرئيس ابو مازن بالتدرب في محيط مدينة اريحا بناء على طلب أمريكي. فمما لا شك فيه أنه عندما يصطف الطرفان الأشد عداوة للشعب الفلسطيني، إسرائيل والولايات المتحدة الى جانب طرف فلسطيني، فأنه من حق الأطراف الأخرى أن تشعر بعدم الثقة والإرتياب. من هنا، فأنه يتوجب أن تسفر حوارات القاهرة عن تهدئة هذه المخاوف وأن تقدم حركة " فتح " تفسيرات مطمئنة لهذه التحركات. في نفس الوقت، فأن الأطراف العربية، وضمنها مصر التي تستضيف هذه الحوارات مطالبة، بأن توضح بشكل لا لبس فيه، أنها لا تقف مع أحد الأطراف الفلسطينية ضد طرف آخر. فمثلاً يفسر قيام بعض الدول العربية بتدريب قوات تابعة للرئيس أبو مازن في الوقت الذي كان يسود فيه التوتر بينها وبين حركة حماس، بأن تدخل مباشر في الصراع لصالح طرف بعينه. ومن ناحية ثانية، فأنه يتوجب أن يتفق المتحاورون على ملأ الفراغات التي تركها اتفاق مكة بقناعات تامة ونوايا سليمة، وإلا فأن حوارات القاهرة ستنضم الى قائمة الحوارات العبثية التي عرفتها الفصائل الفلسطينية خلال العقد الأخير.

ولعل التحدي الأبرز الذي يقف أمام المتحاورين هو الاتفاق على وضع تطبيقات عملية للبنود الفضفاضة التي تضمنها اتفاق مكة، وتحديداً فيما يتعلق بالشراكة السياسية واعادة بلورة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وبنائها على أسس وطنية ومهنية. وقد أصبح من الأهمية بمكان معالجة قضية الأجهزة الأمنية، حيث أن الأجهزة الأمنية التي تتبع الرئيس محمود عباس عملت خلال مرحلة الإقتتال الداخلي كأذرع عسكرية تتبع حركة فتح، في حين عملت القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية كذراع يتبع حركة حماس. من هنا، فأنه يتوجب تخليص هذه الأجهزة من صبغتها التنظيمية، بآليات يمكن الإتفاق عليها بسهولة، لو توفرت النوايا الحسنة.

وواضح تماماً، أن من أهم الضمانات لنجاح حوارات القاهرة هو رفع الحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني، وهنا تكمن تحديداً مسؤولية الدول العربية التي أعلنت مباركتها لإتفاق مكة الذي على أساسه تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي قبلت مقررات قمة الرياض الأخيرة. لقد خطت حركة حماس تحديداً خطوات كبيرة عندما وافقت على تشكيل حكومة الوحدة، وبرنامجها السياسي الذي حظي ايضاً بقبول الدول العربية. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فأن الدول العربية، سيما تلك ذات التأثير الكبير على الواقع الفلسطيني مطالبة بالتحرك السريع لتطبيق قرار الجامعة العربية القاضي برفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. على هذه الدول كسر الحصار عن الشعب الفلسطيني، ليس فقط كتنفيذ لقرار الجامعة العربية، بل أيضاً لإزالة الشكوك التي بدت تتراكم حول أهداف الصمت العربي على هذا الحصار؛ إذ أن هناك من يعتقد أن بعض الدول العربية معنية بمواصلة الحصار على الشعب الفلسطيني ليكون عامل إضافي يساهم في إسقاط حكومة الوحدة الوطنية، ويمهد الطريق أمام انتخابات تشريعية مبكرة، تراهن بعض الحكومات العربية على أنها ستؤدي الى فوز خصوم حماس فيها.

أما التحدي الآخر الذي يتوجب على الفرقاء في الساحة الفلسطينية الاتفاق عليه هو مستقبل التهدئة مع إسرائيل، حيث أنه سيكون القضية الثانية التي ستدرجها الحكومة المصرية على جدول المشاورات.
وهنا يتوجب على جميع الفصائل أن تنظر لهذه القضية من باب المصلحة الوطنية، وليس من باب المماحكات الحزبية والفصائلية التي تعنى بتسجيل المواقف، كما هو دارج حالياً. فالفصائل الفلسطينية مطالبة بالاتفاق على تفاهم واضح لقضية التهدئة وظروفها وشروطها، بحيث يتم الإلتزام به من قبل الفصائل التي حضرت حوارات القاهرة، أو تلك التي تغيبت عنها لهذا الظرف أو ذاك.