بحسب آخر الأخبار التي نسمعها، فان سورية مستعدة لاجراء مفاوضات والتوصل الى سلام مع اسرائيل. فاستعادة كل الأراضي التي تحتلها إسرائيل في هضبة الجولان سيحوّل سورية إلى شريكٍ يساهم في إرساء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. قد يكون هذا الأمر صحيحاً والسلام بحد ذاته يستحق السعي الى إشراك سورية.

وبحسب ما سمعناه أيضاً، فان سورية ليست لها اطماع في لبنان وانّ توقيع اتفاق سلام بينها وبين إسرائيل سيمهد الطريق أمام إعادة المياه إلى مجاريها مع لبنان، طالما أن لبنان يتمتع باستقلاله وبحكومة محايدة بكل ما للكلمة من معنى.

كما لا يجب أن تؤدي مخاوف لبنان الى عرقلة المفاوضات المحتملة مع اسرائيل. ففي حال كانت سورية مستعدة إلى هذه الدرجة لإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل بسبب فوائد السلام السياسية والاقتصادية الملموسة، فانها يمكن ان تبرهن جديتها من خلال وضع حدٍّ للغموض الذي يسود علاقتها مع لبنان.

وتزامناً مع احتمال استئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل، على سورية ان تلتزم امام اللجنة الرباعية الدولية بترسيم حدودها مع لبنان وتبادل السفراء، والامتثال للقرارين 1559 و1701، شأنها شأن لبنان. في المقابل، يتعيّن على اللجنة الرباعية ان تشجع استئناف المفاوضات، كما يتوجب على الولايات المتحدة أن توافق على تعليق العقوبات المفروضة على سورية. وأيّ رفض من قبل سورية للوفاء بتلك الالتزامات سيكون بمثابة تعبير عن رغبتها في متابعة استخدام الورقة اللبنانية للتفاوض مع إسرائيل، حتى بعد أن باتت سورية اليوم عاجزة عن ضمان نزع سلاح «حزب الله» كما كانت الحال في التسعينيات. والأسوأ من ذلك هو أنّ عرقلة سورية لتلك المساعي قد تشكّل دليلاً على صحة المخاوف العميقة التي تخالج اكثر اللبنانيين. ومن سخرية القدر ومن العدل في آن، أن تنقلب الأدوار فيصبح لبنان اليوم قادراً على تقييد خيارات سياسة سورية الخارجية، بعد أن لعبت سورية هذا الدور في التسعينات.

ما من شك في انّ المفاوضات السورية الإسرائيلية ستؤثر على لبنان. ففي فترة التسعينات، وحرصاً منها على عدم مغادرة سورية طاولة المفاوضات، بالكاد عارضت الولايات المتحدة وجود سورية في لبنان واستخدامها له كورقة تفاوض. أمّا اليوم، فإن الارتياح السوري الظاهر لدى استقبال الزائرين الأوروبيين والأميركيين يشير بوضوح الى أن سورية تستمد ثقة بالغة من مجرد المشاركة في المباحثات بين الدول.

وفي الواقع، في حال إعادة استئناف المفاوضات بشكلٍ غير مشروط، وفي الوقت الذي تزداد فيه الأزمة اللبنانية حدةً، يمكن أن تتقدم سورية كشريكٍ بنّاءٍ يساهم في حل الوضع الداخلي على الساحة اللبنانية. وتحت ستار الوساطة، ستقترح بشدة على الولايات المتحدة سبُلاً لوضع حد للتوتر في لبنان، ومن ضمنها المساعدة في اختيار رئيس الجمهورية المقبل والحكومة الجديدة. غير أنّ هذا الدور سيمنحها حق النقض على الساحة السياسية اللبنانية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستوافق الولايات المتحدة على معارضة سورية لمشاركة بعض السياسيين أم انها سترضخ للرغبة السورية بتشكيل حكومة وحدة وطنية قد تقلب كل المكاسب التي حققتها الحكومة الحالية وترفض تطبيق قرارات الأمم المتحدة الآيلة إلى نزع سلاح «حزب الله»، وتؤمن غطاءً سياسياً جديداً لاستمرار الحزب في نشاطاته العسكرية؟

هذا لن يحصل إلاّ إذا كانت العملية الدبلوماسية ستصبح أكثر أهمية بالنسبة لأميركا وإسرائيل منها بالنسبة الى سورية. حتى انّ أي تعاون بسيط قد تقدمه سورية في ما يتعلق بالشأن العراقي وبالنسبة إلى إسرائيل، قد يتحول إلى سبب كاف لعدم الوقوف في وجه سياستها في لبنان. ونظراً إلى الوضع السائد في واشنطن، فلا يجب تجاهل هذا النوع من المقايضة.

بالإضافة الى ذلك، ليس من الضروري أن يؤدي إنهاء حال الحرب بين سورية وإسرائيل الى تحسن العلاقات السورية اللبنانية. بل على العكس، فإذا طالبت إسرائيل سورية بضمان الاستقرار على حدودها الشمالية، سيزداد تدخّل سورية في الشؤون اللبنانية الداخلية بدل أن يتراجع. وخلال التسعينات، قيل لللبنانيين إنّ عليهم أن ينتظروا تسوية نهائية قبل نيل استقلالهم عن النفوذ السوري والاحتلال الإسرائيلي. وفي ذلك الوقت لم تكن سورية تنوي التخلي عن لبنان، كما أن اسرائيل لم تكن تطالب بذلك، علماً انها كانت تنظر إلى الدور السوري كضمانة وحيدة للسلام الدائم ولردع «حزب الله»، فضلاً عن أنّ الولايات المتحدة لن تدعم مثل هذه الخطوة إذا كانت تتعارض مع الرغبات السورية والإسرائيلية.

من دون الحد الأدنى من الضمانات حول مستقبل العلاقات السورية - اللبنانية، يبدو انّ إعادة مد الجسور مع سورية لا تعني سوى إخضاع سيادة لبنان ومستقبله ودفعه في دهاليز عملية السلام، ما يعني أنّ أحد الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة سيُحرم من حقه المطلق بأن يعترف جاره بوجوده رسمياً.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)