يواصل الملف السوري طرح نفسه بإلحاح على الأجندة السياسية في إسرائيل، إلى درجة يبدو معها أن ما تمر به القيادة الإسرائيلية على هذا الصعيد أشبه بمخاض يُنتظر أن يفضي إلى نضوج موقف مغاير للسياسة المتبعة منذ سنوات بشأن قضية التفاوض مع دمشق.

ويمكن للمراقب أن يرصد وتيرة لافتة من التحولات الإسرائيلية تجاه هذه القضية، بدأت قبل أشهر، بُعيد عدوان تموز على وجه التحديد، وتتواصل فصولها تباعاً في العناوين الرئيسية للصحافة الإسرائيلية. وإن كان أبرز هذه التحولات هو ما كشفت عنه صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أول من أمس، من ضغوط يمارسها قادة في الجيش على رئيس الوزراء إيهود أولمرت لمباشرة التفاوض مع سوريا تحت طائلة الخشية من إمكان أن يكون البديل عن ذلك نشوب حرب قريبة معها، فإن الجديد ضمن هذا الإطار هو ما ذكرته الصحيفة نفسها أمس حول انضمام شاؤول موفاز، نائب أولمرت ووزير المواصلات، إلى هذا الفريق واقتناعه بأنه «حان الوقت لفتح قناة سرية مع سوريا يتم البحث من خلالها في إمكان استئناف المفاوضات معها من خلال مبعوثين مقبولين على الطرفين».

وبحسب الصحيفة، فإن موفاز سيحمل تصوره هذا إلى العاصمة الأميركية، التي يزورها اليوم ليناقشه مع وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس. وفي إطار هذا النقاش، سيؤكد موفاز، وفقاً لـ«يديعوت»، الحاجة إلى مبادرة إسرائيلية تجاه سوريا تباركها الولايات المتحدة في محاولة لتبديد «أبخرة الوقود الهائلة التي تهدد باشتعال في المنطقة في الأشهر القليلة المقبلة»، في إشارة إلى الاستعدادات العسكرية السورية في هضبة الجولان وتعزيز قوتها الصاروخية بأنواعها المختلفة.

وأضافت الصحيفة أن موفاز يعتقد أن «جس النبض الإسرائيلي حيال سوريا يجب أن يركز على الثمن الذي ستكون دمشق مستعدة لدفعه في مقابل الوديعة التي وضعها رؤساء وزراء إسرائيليون لدى (الرئيس الراحل) حافظ الأسد، أي الانسحاب الكامل من الجولان». إلا أن موفاز، الذي يخشى من تفسير الاستعداد الإسرائيلي لاستئناف الاتصالات مع سوريا على أنه مؤشر ضعف، يعتقد أيضاً، لتفادي ذلك، أن على واشنطن وباريس إيصال رسالة واضحة إلى دمشق، بالتوازي مع فتح القناة السرية معها. ويرى وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أن هذه الرسالة يمكن أن تجد ترجمتها من خلال تلميح الأميركيين والفرنسيين للرئيس السوري بشار الأسد، من خلال تحريك قوات بحرية أمام الشواطئ السورية، بأنهم ينوون المسارعة إلى نجدة إسرائيل في حال حصول حرب معها.

ولم يعلق موفاز على التقرير الذي أوردته الصحيفة، غير أنه قال في تصريحات منفصلة إنه سيؤيد إجراء اتصالات عبر قنوات سرية مع سوريا لنزع فتيل التوترات المستعرة منذ حرب لبنان.
وقال موفاز، للإذاعة الإسرائيلية، «إنني مقتنع بأنه في الوضع الراهن... حيث نشاهد حزب الله يعيد التسلح وزيادة في الجهوزية السورية... رغم أنها دفاعية أكثر منها هجومية... من الحكمة القيام باستيضاحات عبر قناة سرية». وأضاف «لا أعتقد أن أي محادثات عبر قنوات سرية مهما كانت نتائجها ستؤدي إلى تدهور (في العلاقات)».
ويخصص المجلس الوزاري الأمني المصغر اجتماعاً غداً لبحث موضوع المفاوضات مع سوريا من دون اتخاذ قرار بتجديد المفاوضات أو عدم تجديدها. وأوضحت مصادر في مكتب أولمرت أن الوزراء المشاركين في اجتماع «الكابينيت» سيستمعون إلى تقارير يقدمها مسؤولون أمنيون حول مجرى الأمور في دمشق وبيروت والأوضاع الميدانية، مع التركيز على تسلح سوريا خصوصاً بصواريخ روسية وإيرانية متطورة.

وكان الموضوع السوري محور نقاش الاجتماع الأسبوعي الدوري الذي عقدته لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أمس. وراوحت مواقف الحاضرين بين الدعوة إلى ملاقاة دعوات السلام السورية بإيجابية حذرة وبين تهديد دمشق من مغبة التفكير بمهاجمة إسرائيل.

ورأى وزير الدفاع، عامير بيرتس، أنه «ينبغي الوقوف بحذر أمام أصوات السلام الآتية من سوريا»، مشدداً في الوقت نفسه على عدم اعتبار هذه الأصوات بديلاً عن حالة الجهوزية والاستعداد في الجيش الإسرائيلي. ورأى بيرتس أن «مسألة التفاوض مع سوريا مسألة رئيسية، فسوريا هي مدماك استراتيجي، وهي ركن جوهري في محور الأصولية الذي تقوده إيران. كما انها جهة أساسية في تسليح حماس». وأضاف «طالما كان هناك تحاور، فإن فرص المواجهة تتضاءل»، داعياً إلى «استغلال كل الفرص من أجل التحاور مع سوريا». لكنه استدرك بالقول إن «على السوريين أن يعلموا أننا نقصد (بالحوار) جملة من القضايا العالقة، كقضية المحور الراديكالي، وقضية مساعدة حماس وحزب الله».

وشدد بيرتس على أن خطط استعداد الجيش متواصلة وأنه «منتشر ومستعد إزاء أي تغيير في المنطقة»، مشيراً إلى أن «حجم القوات والجهوزية والقدرة على رصد كل ما يحصل ليس شبيهاً على الإطلاق بالوضع السابق».
وأعرب رئيس حزب ميريتس، يوسي بيلين، عن أمله في أن «لا تبقى المفاوضات مع سوريا ألعوبة إعلامية، وإنما تتحول إلى عملية سياسية حقيقية»، معتبراً أن الحكومة التي «لا تتحرك لا على المسار السوري ولا على المسار الفلسطيني هي حكومة عديمة المسؤولية».

من جهته، قال وزير التهديدات الاستراتيجية، أفيغدور ليبرمان، إن إسرائيل تأمل عدم الوصول إلى حرب مع سوريا، «لكن إذا فرضوها علينا، فسنعلم كيف نرد».
أما عضو الكنيست من حزب «الاتحاد القومي»، إيفي إيتام، فقد اعتبر أن ثمة محاولة تقوم بها الحكومة لخلق حالة من الهلع وسط الرأي العام الإسرائيلي من إمكان اندلاع حرب مع سوريا من أجل تقويض حالة الإجماع حول مواصلة البقاء في الجولان.