ااعداد: أكرم ألفي - أمينة عوض:

تقول الأسطورة المصرية القديمة إن روح الميت تظل ترفرف على المكان مدة أربعين يوماً حتى تنفصل عن المكان، ولكن بعد 40 عاماً من الهزيمة العربية في 5 يونيو 1967 لا تزال تبعات ’’النكسة’’ تجثم على صدر المنطقة العربية ولم تغادرها بعد، فباستثناء سيناء، مازالت الجولان السورية محتلة، والضفة الغربية تلتهمها المستوطنات اليهودية وغزة تحت الحصار وغارقة في حرب ’’الأشقاء’’• وفي الوقت نفسه مازال اللاجئون يمثلون شاهد القبر للهزيمة في مأساة إنسانية يومية للفلسطينين، وأزمات للدول العربية آخر نماذجها معركة ’’البارد’’ الأخيرة في لبنان•

40 عاماً مرت، انتقل فيها صولجان السلطة في إسرائيل والدول العربية من جيل إلى جيل آخر لم يشارك فعليا في الصراع والحرب، ولكن مثل روايات شكسيبر فإن أرواح الأبطال تملأ المكان، فجمال عبد الناصر مازال لدى البعض البطل الذي ستعود روحه متمثلة في شخص آخر ’’منتظر’’ لعيد الكرامة العربية المفقودة، وفي سوريا مازالت التوازنات قائمة على خريطة 5 يونيو فيما احتفظت الاردن بقدرتها على البقاء في وسط بحر الشرق الاوسط الهائج•
144 ساعة، هي إجمالي زمن المعارك العسكرية التي غيرت الخريطة العربية ورسمت السياسة في المنطقة إلى اليوم، ولم تنجح حرب 1973 في ازالة كافة أثارها بعد أن اقتنع الرئيس المصري الراحل أنور السادات أن صفقة عربية -إسرائيلية شاملة مستحيلة فاختار إعاة سيناء للمصريين والخروج من الصورة العربية القاتمة•
حجر الزاوية
ظلت وستظل طويلاً ’’النكسة’’ حجر زاوية في السياسة العربية، فيومياً يتحدث السياسيون العرب عن استعادة الحقوق المفقودة في 5 يونيو• فعلى صعيد الملف الفلسطيني أصبح كافة الأطراف بما فيها ’’حماس’’ مدركة أن آخر الأمال هو إعادة الأراضي المحتلة في 1967 وازالة المستوطنات من الضفة الغربية، فتطبيق القرار 242 الشهير هو نصب الأعين•
فالثورة الفلسطينية هي بنت ’’شرعية’’ للهزيمة، هكذا يعتبر المحللون السياسيون الغربيون، حيث كانت قبل 5 يونيو غزة تحت السيطرة المصرية والضفة الغربية تحت أمرة المملكة الأردنية• وربما الجرح الذي لا يزال العرب يعانون منه هو فقدان القدس الشرقية والمسجد الأقصى الذي اصبح شعاراً جامعاً لتظاهرات ’’التنفيس’’ العربية من المشرق إلى المغرب•
وفي الملف السوري مازالت الجولان محتلة بينما المفاوضات بين دمشق وتل أبيب مجمدة بسبب التعنت الاسرائيلي فيما يدرك الرئيس السوري بشار الاسد انه لايستطيع ان يقبل بأقل من ارض الجولان كاملة كنتيجة لأي مفاوضات•
وفي مصر، مازال القوميون العرب يصرخون بحثاً عن مواجهة مع إسرائيل تعيدهم للأضواء، وسط تصميم على أن الصراع لم ينته على الجبهة المصرية في ظل عدم انتشار القوات المسلحة بعد الكيلو 10 الذي استعاده الجيش المصري عسكرياً في 1973 • ولاتزال اتفاقية كامب ديفيد التي استعادت بها مصر شبه جزيرة سيناء محل جدل بين السياسيين المصريين مستمر حتى اليوم•
اللاجئون: حاملو ’’صليب’’ الهزيمة
روى عميرة البالغ من العمر 78 عاما لوكالة الأنباء الفرنسية كيف سقطت القدس الشرقية في 6 يونيو 1967 في أيدي القوات الاسرائيلية فيما كان السكان ينصتون إلى الاذاعات العربية التي تتحدث عن النصر• واتهم ابو سلام الذي كان يجلس أمام محله وهو عبارة عن كشك صغير لبيع الكتب والصحف في باب العامود ’’باب دمشق’’ الباب الرئيسي للقدس القديمة ’’الانظمة العربية بالتآمر على القضية الفلسطينية وتسليم الأراضي الفلسطينية إلى اسرائيل’’• ويقول كانت الاذاعات العربية تشير إلى أن عبد الناصر سيغلق مضائق تيران وقناة السويس وكنا في حالة انتظار واستنفار• وتابع ’’كنا نتدرب لمدة شهر في العام مع الحرس الوطني التابع للجيش الاردني لليوم الموعود (يوم تحرير فلسطين)’’، موضحا أن التدريبات كانت تجري في معسكر النبي يعقوب شمال القدس وفي العيزرية شرق المدينة على الأسلحة الخفيفة•
وأكد أبو سلام ’’ذهبنا نحن الشباب إلى قيادة الحرس الوطني وطلبنا اسلحة للمقاومة واعطونا بنادق قديمة وعدة طلقات ووزعونا على مناطق مختلفة وقالوا لنا انتظروا تعليمات القيادة• وروى ابو سلام ’’اندلعت الحرب فجأة يوم الاثنين الخامس من يونيو وانتظرنا التعليمات ولم تصل، ولم نكن على أهبة الاستعداد العسكري كما يجب ولم ندر إلى اين نذهب، كنا نتجول عند اسوار البلدة القديمة ولم نشتبك مع اي عدو’’• واضاف في الوقت نفسه كانت إسرائيل تتقدم من منطقة بيسان شمال فلسطين وتحتل مدينة اريحا وتدخل القدس يوم الاربعاء وتتمركز في جبل الطور المطل على المدينة داخل الأسوار وخارجها وبدأ الجنود يصطادون كل من يتحرك، مسلحا أو غير مسلح، وكانت المعارك في الشيخ جراح حيث فقدنا الكثير من الضحايا’’•
وكباقي سكان القدس، فوجىء أبو سلام يوم الاربعاء ’’بدخول المحتلين من بابي الاسباط (شرق) وباب المغاربة (جنوب شرق) إلى القدس القديمة، مؤكدا انهم ’’كانوا يقتلون كل من يروه في الطريق’’• وروى كيف ’’اذاعوا عبر مكبرات الصوت أن كل من يحمل السلاح عليه وضعه أمام بيته ويضع علما أبيض على بابه وفرضوا نظام حظر التجول’’• وبعد ان تأكد الاسرائيليون من سيطرتهم على القدس الشرقية سمحوا برفع حظر التجول ساعتين في اليوم حتى يتمكن الناس من إخلاء الجثث ونقلها من الطرقات إلى المقبرة على ما روى ابوسلام• وقال ’’في اليوم الرابع سمحوا لنا بالتجول لمدة اربع ساعات جمعوا خلالها شبان في شاحنات مكشوفة وتجولوا بهم في كافة انحاء القدس الغربية وكان اليهود يصطفون في الشوارع ويصفقون وهم يرون الشبان الفلسطينيين مكبلين بالاصفاد مكدسين في الشاحنات، ومنهم من احتجز بعد ذلك لعدة ايام ومنهم من احيل إلى سجن الرملة لعدة اسابيع’’•
وانسحب الجيش الأردني الذي كان يسيطر منذ 1948 على القدس الشرقية والضفة الغربية ’’ومنهم من قتل ومنهم من تنكر بملابس مدنية وبقي’’ على ما أكد عميره دعنا• اما الشبان المتطوعون لدى الحرس الوطني ’’فقتل الكثير منهم وهو يقاوم خارج المدينة أو قتل اثناء هربه من المحتلين’’•
وفي اليومين الخامس والسادس للحرب ’’اتى المحتلون بباصات كبيرة إلى باب العامود وطلبوا من الناس الرحيل إلى عمان وكانوا ينادون على عمان روحة بلا رجعة’’ كما أكد ابو سلام• وكانت الباصات توصل الناس إلى ضفة نهر الأردن ويعبرون سيرا على الأقدام إلى الضفة الشرقية•
هذه القصة تحمل مواجع أكثر من نصف مليون لاجيء فلسطيني على الاقل خرجوا من منازلهم بعد هزيمة ،1967 وكثيرة كثيرة هي القصص والروايات التي تحدثت عن حرب ،1967 ولسنا هنا بصدد سرد هذه الحكايات أو حتى الاسترسال في تفاصيل هذه الحرب بل لنقف بالقرب من أحدى توابع هذه النكسة التي أصبحت مأساة حقيقة• إذا كنت مسافراً إلى بلد ما فهناك دائماً حقيقة العودة إلى الوطن موجودة وإن كنت مهاجراً إلى بلد ما فلا تزال صورة الوطن مرسومة في ذاكرتك، ولكن أن كنت لاجئاً أو نازحاً فماذا بقي لك من هذا الوطن؟!
نحو ستين عاماً على أسقف المخيمات الفلسطينية ملجأ الكثير من الفلسطينيين، هذا السقف الذي اهترى وتمزق بعضة• فقد تم اقتلاع ثلاثة أرباع الفلسطينيين بين عام 47-،1948 من بيوتهم، وديارهم، ووزعوا على أربعة أركان المعمورة• أما المخيمات فقد ضمت عدداً قليلاً من الفلسطينيين، وأُقيمت على أرض دول الجوار لبنان والأردن وسوريا والعراق، أو داخل فلسطين نفسها، والمخيمات التي أُقيمت بعد عام ،1967 تشكل سدس المخيمات الفلسطينية أي (16,4%) أما التي أُنشئت قبل 1967 فتشكل الغالبية، وهي نسبة 83,6% وهي منتشرة بصورة أساسية فوق الأراضي الفلسطينية واللبنانية• والمخيمات الفلسطينية جمعت بين لاجئين شردوا من ديارهم إثر نكبة 1948 وبين النازحين غادروا أراضيهم إثر عدوان يونيو •1967
جيل لا يعرف 5 يونيو
هل يعرف الشباب العربي الذي ولد في السبعينيات والثمانينيات نكسة 67؟• قد يكون السؤال عجيبا على جيل قديم عاش تفاصيل الهزيمة ساعة بساعة، ولكن هذا السؤال اصبح يمكن ادراجه في برنامج مسابقات في الفضائيات وربما سيجد المتسابق الشاب صعوبة شديدة في معرفة الإجابة!!•
بعد أربعين عاماً من الحرب هناك جيل جديد بدأ في الظهور، جيل لم يزامن حرب ،67 والذي من شأنه أن يغير التوجه الذي ساد في الفترة السابقة، ومثل هذه الدماء الجديدة شأنها أن تغير صيغة الخطاب السياسي السائد بين العرب وإسرائيل، على الرغم من أن بعض الأفكار يمكن أن تورث إلا أن معظم المشاركين والضالعين في حرب 67 بدأ في الاختفاء من الساحة السياسية سواء في إسرائيل أو في بعض الدول العربية•
والجيل الجديد من الشعوب العربية بات بالنسبة له حرب 67 لا يعد إلا فصل في مادة التاريخ، وهذا ما أظهره التقرير الذي أعدته الوكالة الفرنسية في مصر أهم الدول المشاركة في الحرب• ’’حرب ماذا؟ حرب، 1967 نعم أتذكر أنها مرت علي’’، هكذا يرد المراهقون المصريون عندما يسألون عن الهزيمة العربية أمام إسرائيل التي هزت الشرق الأوسط ولكنها لا تحتل سوى صفحة واحدة في الكتب المدرسية المصرية•
وفي باقي البلدان العربية فحدث ولا حرج، فقد أظهر برنامج لقناة ’’الجزيرة’’ أن الكثير من شباب الإمارات لا يعرف ما حدث في يونيو ،1967 وفي المغرب العربي فإن البعض يفكر في ما حدث بين الجزائر والمغرب في ذلك الوقت وفي ليبيا فهي ليلة ما قبل قدوم الزعيم القذافي إلى السلطة•
وبلا حرج، ربما بعد عشر سنوات نسأل الشباب العربي عما حدث في 9 أبريل 2003 فيتذكر اسماء المتسابقين في ’’ستار أكاديمي’’ ولا يفكر حتى مجرد فكرة في ربط التاريخ بسقوط بغداد• فنحن شعوب تعشق النسيان بل تعيش على النسيان•

هيكل يتوقع إنكسار إسرائيل

اشتهر محمد حسنين هيكل بأنه منظر عبد الناصر، وقبل النكسة بثلاثة أيام كتب هيكل مقال عن ما ينتظر إسرائيل وكتب يقول: إن مشكلة الأمن الإسرائيلي وقد بلغت درجة الحروجة لا حل لها فى نظر المؤسسة العسكرية إلا الضرب بسرعة لكسر الحصار العربي وإعادة عامل الأمن النفسي الذى ارتهن دائماً بقدرة إسرائيل على فرض الأمر الواقع ويعجز العرب دائماً عن أي شيء غير قبوله والوزارة الإسرائيلية أو بعض عناصرها بعد كل ما تورطت فيه أمام ضغط المؤسسة العسكرية توشك أن تكون كبش فداء لموقف ترددت قبل أن تتحمل مسؤوليته! وليس أمامها مجال كبير للحركة••إما أن تخضع وإما الانقلاب••إما أن تضرب إسرائيل لكى تكسر الحصار العربي حولها••وإما أن لا تضرب وتنكسر إسرائيل من الداخل••مهما يكن وبدون محاولة لاستباق الحوادث فإن إسرائيل مقبلة على عملية انكسار تكاد تكون محققة••سواء من الداخل أو من الخارج••إن إسرائيل لم تكن ولن تكون كياناً طبيعياً يستطيع أن يتأقلم بسرعة، ويوائم نفسه بسهولة ويسير مع الأجواء المتغيرة••لقد كانت ولا تزال في وجودها كدولة تقليداً للطبيعة صنع من مادة ليست أصيلة وليست صلبة أقرب ما تكون إلى تشكيل من الجبس••لا يستطيع أن يتغير إلا إذا انكسر!!•
الأهرام 2 يونيو 1967

محطات الهزيمة

في حرب يونيو 1967 واجه نحو 260 ألف جندي إسرائيلي ما يقدر بـ450 ألف جندي عربي من مصر وسوريا والأردن والعراق والجزائر والكويت• وبنهاية الحرب كان 777 جندياً إسرائيلياً قد قتلوا مقابل ما يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف جندي مصري إلى جانب 6100 جندي أردني وما يتراوح ما بين ألف إلى 2500 جندي سوري
18 مايو 1967 : عبد الناصر يأمر قوة الطوارئ الدولية بمغادرة شبه جزيرة سيناء•
22 مايو: عبد الناصر يغلق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية وإسرائيل تعتبر هذه الخطوة ذريعة لشن الحرب والولايات المتحدة تفشل في محاولة فتح المضيق مرة أخرى•
30 مايو: الأردن يبرم معاهدة دفاع مشترك مع مصر•
5 يونيو: 7،45: إسرائيل تشن ضربة جوية استباقية تستهدف القواعد الجوية المصرية وتدمر الجانب الأكبر من السلاح الجوي المصري•
15,8 : القوات الإسرائيلية تقتحم قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء•
9,45 : المدفعية الأردنية تقصف القدس ووسط إسرائيل، وطائرة أردنية تحاول شن غارة على تل أبيب•
12،00: إسرائيل تقصف المطارات الأردنية• والقوات الأردنية تستولي على مقار تابعة للأمم المتحدة في القدس• والطائرات السورية تقصف أهدافا في حيفا•
00,13: سلاح الجو الإسرائيلي يهاجم قواعد للسلاح الجوي السوري•
17،00 : المدفعية الأردنية تقصف تل أبيب•
18،00: المدفعية السورية تقصف روش بينا شمال إسرائيل•
6 يونيو: القوات الإسرائيلية تواصل تقدمها في سيناء•
3،00 : قوة إسرائيلية تستولي على مركز شرطة اللطرون المحصن على حافة الضفة الغربية وقوة أخرى تقطع الطريق بين القدس ورام الله•
06،15 : قوات مظلية إسرائيلية تستولي على ’’تلة الذخيرة’’ وهو موقع أردني بشرق القدس بعد قتال تلاحمي ضار•
13،00 : استسلام مدينتي رام الله وجنين للقوات الإسرائيلية• والجيش الإسرائيلي يستكمل استيلاءه على قطاع غزة•
17،20 : الجيش الإسرائيلي يستولي على قلقيلية•
20،00 : صدور أوامر بالانسحاب الكامل للجيش المصري•
24،00 : صدور أوامر بالانسحاب الكامل للفيلق العربي الأردني•
7 يونيو: 10،00 : إسرائيل تستكمل احتلال البلدة القديمة في القدس•
12،15 صدور أوامر نهائية للقوات الأردنية بالانسحاب•
14،25 : إسرائيل تستولي على بيت لحم•
18،00 : سقوط الخليل•
19،30 : سقوط أريحا•
8 يونيو : مصر تقبل وقف إطلاق النار•
9 يونيو : 01،00 : طلائع القوات المدرعة الإسرائيلية تصل إلى قناة السويس•
11،30 : الجيش الإسرائيلي يبدأ الزحف صوب الخطوط السورية•
عبد الناصر يعلن تنحيه عن السلطة
10 يونيو: 14،30 : إسرائيل تستولي على مدينة القنيطرة بهضبة الجولان السورية•
15،00 : وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان يلتقي الجنرال أود بول من الأمم المتحدة للموافقة على وقف إطلاق النار اعتبارا من الساعة 18.00.