لم يعد باقيا إلا في مساحة صغيرة من الأجيال التي عايشته، لأن فقدان الذاكرة سمة تسارع الحدث، أو ربما انهمار الخيبات على جغرافية تبحث يوميا عن واقعها الخاص، أو خصوصيتها المفقودة منذ القرن الرابع الهجري، فما حدث في حزيران لم يكن كشفا ربانيا لـ"الفساد" الذي أحاط عالمنا .. فحزيران تكرر عام 1982، وحزيران زمن باق على "الحداثة" المتعبة .. وحزيران لم يكن هزيمة ثقافية لأننا حتى تاريخه لم نكن حسمنا أمر ثقافتنا الهائمة ما بين "الوعظ والإرشاد" و "لهيب الحماسة" في مصطلحات مبتكرة.

ما الذي حدث في حزيران 1967... كانت لحظات طويلة كتبت على وجوهنا ملامح قديمة أوجدها التراث في غزوات تيمورلنك وحملات "ريتشارد قلب الأسد" ... وكانت في كل لحظة ذاكرة استباحة لأنفسنا ... وتكرر الحدث حتى أصبحت التقارير الإخبارية صور دموع فقط ترسمها الفضائيات على بعض الوجوه كل صباح.

حزيران في النهاية يمر تاريخا فقط ... وحزيران نبتدعه من الصور القديمة والحديثة لنركب بناء من الحارات القديمة، أو ربما من الأشكال الهرمة لثقافة تعبت منا وأتعبتنا بعمليات الإحياء واليقظة و "بعث النهضة". فما يحمله حزيران سيبقى طيفا من التاريخ والقادم طالما بقيت المجازر من غزة إلى الحديثة ....

فالاستباحة لا تملك زمنا واحدا وأبو مصعب الزرقاوي ليس سوى ظلال "المارينز" الذين جابوا يوما شوارع بيروت، ويتلفتون اليوم وسط بغداد ... فما هو فارق التواريخ، وهل سيبقى حزيران كما عهدناه ذاكرة ينبشها البعض وسط أجيال لم تشهد عنفوان مراحل "الإحساس بالذات" ثم انهيار طواحين الهواء على صور الحروب من 1967 إلى 1982 وصولا إلى 2006 مع اختلاف المدن التي أطل عليها حزيران.

ربما لا يعلق أحد الهزيمة على صدورنا ... لأننا نحملها في "التكوين الوراثي" لـ"الوسطية" فنحن لم نُهزم ولن ننتصر، ونحن لم ندخل الحداثة ولن نتجاوزها ... ونحن أمة وسطى مقتنعة بتحصيل ما تريده من إنجازات المجتمعات، وكنا خير أمة أخرجت للناس لأننا قادرون على استخدام مهارات اللغة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... وفي النهاية نحن الأمة التي تنتظر دائما انطلاق نهضتها من وحي "الحضارات" التي غابت ... وحزيران يغلف كل "وسطيتنا" التي بقيت مجال فخرنا لأننا نقف على الحدود لتلقي الاستباحة!!!