هل بوسع الولايات المتحدة التوفيق بين دعمها وحمايتها لكردستان العراقية كمنطقة حكم ذاتي على طريق الاستقلال الكامل، وبين حاجتها إلى الإبقاء على تحالفها الاستراتيجي مع تركيا؟

تركيا لها كما هو معروف أقليتها الكردية في الجنوب الشرقي للبلاد. وهذه الأقلية لها تنظيمها القتالي الذي يدعم مطالبتها السياسية بإقامة منطقة حكم ذاتي أيضاً. ومنذ أن بدأ التمرد المسلح لأكراد تركيا في عام 1984 ظلت الولايات المتحدة تدعم بقوة الجيش الحكومي التركي ضد ميليشيا «حزب العمال الكردستاني» ـ التنظيم الذي يقود التمرد الكردي.

لكن جاء الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 ليفرض واقعا جيو ـ سياسياً جديداً. منذ الوهلة الأولى تطيرت مؤسسة السلطة في أنقرة في عملية الغزو الاحتلالي. فقد بات مؤكداً حينئذ أن الإدارة الأميركية قررت عقد تحالف مع القيادة السياسية للأقلية الكردية العراقية والميليشيا التابعة لها في سبيل تعزيز وتوطيد الاحتلال الأميركي.

ومنذ ذلك الحين أخذت العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا تتدهور بعد أن دعمت واشنطن النزعة الاستقلالية للأقلية الكردية في الشمال العراقي. ثم إن واشنطن اضطرت إلى الموافقة على تحول كردستان العراقية إلى ملاذ لقوات الميليشيا الكردية التركية وقاعدة تنطلق منها هذه القوات لشن هجمات على قوات الجيش التركي.

لكن يبدو أن التقديرات الاستراتيجية الأميركية ليست دقيقة. فالإدارة الأميركية لم تأخذ في الحساب أن هناك إجماعا قومياً في تركيا ضد طموح الأقلية الكردية التركية. يربط بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية والفئات الشعبية عامة. وعلى هذا الأساس فإن الدعم الأميركي المباشر لأكراد العراق والدعم غير المباشر لأكراد تركيا أثار موجة متصاعدة من الغضب العام في تركيا ضد الولايات المتحدة.

تأسيساً على هذه الخلفية فإن السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو هل من الممكن أن يضمن الكيان الذاتي لكردستان العراقية ليكون نواة لدولة كردية مستقلة للأقليات الكردية عموماً في المنطقة؟

من المسلم به أن بقاء دولة كردية على قيد الحياة سيكون مرتهناً بالضرورة القصوى واللازمة إلى حماية أميركية مستديمة ـ حماية ليست فقط من تركيا وإنما أيضاً من سوريا وإيران حيث توجد في كل منهما أقلية كردية، وهذا بدوره يفضي إلى تساؤل آخر: هل تستطيع الولايات المتحدة أن تضحي بعلاقتها الاستراتيجية العريقة مع تركيا من أجل الأقلية أو الأقليات الكردية؟

بمراهنتهم المصيرية على بقاء الحماية الأميركية إلى الأبد فإن قادة الأكراد لا ينظرون إلا تحت أقدامهم، وذات يوم سوف تضطر الولايات المتحدة إلى الانسحاب من العراق نهائياً. وهو يوم ليس بعيداً إذا أخذنا في الاعتبار الوضع الصعب للقوات الأميركية على الأرض العراقية والتذمر الشعبي المتصاعد داخل الولايات المتحدة نفسها.

عندئذ سوف يجد قادة كردستان أنفسهم في مواجهة استهداف ليس من داخل العراق فقط بأغلبيته العربية التي تضم الشيعة مع السُنّة بل أيضاً من تركيا وسوريا وإيران التي تجاور بعضها البعض.هكذا تتحكم الجغرافيا في مصير الأقليات الكردية، عاجلاً أم آجلاً. لكن يبدو أن قصر النظر الكردي ليس بأقل من قصر النظر الأميركي.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)