قدرة قمة الثمانية على تجاوز صورتها القديمة بدت مستحيلة اليوم، فهي لم تعد معنية كما كانت سابقا بهموم اقتصادية دعت إليها أزمة النفط عام 1974، ففي ظل الاقتصاد المعولم يبدو من الصعب أن يظهر هذا التحالف أي تحد جديد باستثناء التحدي البيئي، لكن قمة الثمانية ومنذ انتهاء الحرب الباردة حملت أهدافا سياسية أوسع، وهي في نفس الوقت بدأت تقدم صورة العالم على شاكلة "الدول الصناعية" التي تبدو اليوم مختلفة على طبيعة التصنيع والاحتباس الحراري، أكثر من اتفاقها حول التحديات التي تواجهها عالميا.

المفارقة التي بدأت تظهر في قمة الثمانية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي هي في طبيعة المواضيع الذي يمكن ان تحكم نقاشاتها:

  فالبدرجة الأولى لم تعد ميزة "الديمقراطية" التي وسمت هذه الدول، وكانت تعرف بالدول السبع، هي المحرك الأساسي لأي عمل سياسي لها، فالنظام العالمي يحمل اتجاها واحدا اليوم، وهو أمر حول الاهتمام نحو "الأجندة" الأمريكية، لأنها الوحيدة التي تملك معيار مطلقا لمسألة الديمقراطية. هذا الأمر أدى إلى دخول مواضيع ليست من اختصاص القمة لصلب محادثاتها. فرغم ان الموضوع الإيراني معروض على مجلس الأمن لكنه شكل محورا داخل أعمال القمة.

  المسألة الثانية هو تراجع قدرة هذه القمة على معالجة القضايا التي تعتبر من صلب اختصاصها، فمسألة البيئة بدت وكأنها عائمة دون حسم أو دون رغبة فعلية في معالجتها رغم التأكيدات الألمانية على ضرورة بحثها بشكل كامل. لكن الدول الثمانية بدت أكثر من مختلفة حول هذا الموضوع، فالمسألة لا تتعلق فقط بوضع سياسات جديدة، إنما ببحث سياسي داخل على الأخص بالنسبة للولايات المتحدة التي تعتبر من أكثر الدول المعنية بخفض الانبعاث الحراري. ومن الطبيعي أن يؤثر غياب الصين أيضا على الموضوع البيئي كونها تحتل مرتبة متقدمة في مسألة الانبعاث الحراري.

  الموضوع الثالث الذي كان أكثر جذبا بالنسبة لوسائل الإعلام هو العلاقات الروسية – الأمريكية، فالقمة كانت مناسبة لمعالجة "الدرع الصاروخي" في شرقي أوروبا، وسط تصريحا روسية رافضة لهذا الموضوع. ورغم أن هذه المسألة كانت تتطور قبل القمة وخلالها، لكنها حرفت المسار الحقيقي لما يجب ان يناقشه رؤساء الدول باتجاه آخر.

ورغم كافة التعهدات التي قدمتها قمة الدول الثمانية حول مكافحة الإيدز والملاريا، لكن المسائل الأكثر ظهورا كانت في مواضيع اخرى مثل محاربة الإرهاب والملفين النووين لكل من إيران وكوريا. ومع التشكيك في إمكانية التزام الدول بالتعهدات التي قدمتها تجاه المسائل المطروحة، لكن الموضوع الأساسي الذي يمكن ان تثيره هذه القمة مرتبط أساسا بتشتت النظام الدولي، فإذا كانت الحرب الباردة قدمت شكلا مزدزجا للتعامل الدولي، فإنه بعد اكثر من عقد ونصف على انتهاء هذا النظام يبدو الواقع الدولي غير قادر على إنتاج مؤسسات ترسم الملامح الدولية، بل على العكس فإن المؤسسات العالمية التي تم إيجادها منذ نهاية الحرب العالمية عاجزة عن التصرف بشكل فعال، بينما بقيت التجمعات والهيئات التي تأسست خلال مراحل "النظام" الثنائي القطب موجودة رغم انتهاء وظائفها.

في قمة الثمانية الأخيرة ظهر واضحا أن النظام الدولي مأزوم، فهو غير قادر على العودة نحو "الحرب الباردة"، بينما يقف أمام مسائل متجددة أو ربما موروثة من المراحل التي رافقت سباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. فهل يمكن أن يطلق على المرحلة الحالية مصطلحات لا تستطيع تقديم وصف دقيق للواقع الدولي؟

هذا الموضوع ظهر بوضوح في قمة الثمانية مع ارتفاع حدة التصريحا بين الولايات المتحدة وروسيا، فمسألة الدرع الصارخي تبدو كنوع من المحاصرة لروسيا التي ماتزال من أكبر الدول النووية في العالم، فمسألة الصراع على النفوذ في أوروبا لم تنه على ما يبدو، ومسائل توسيع الناتو أو الاتحاد الأوروبي أعادت من جديد الصراع على مساحة أوروبا ولو بشكل أقل عنفا من السابق، لكنه في النهاية يعبر عن عدم قدرة النظام الدولي على رسم ملامح واضحة لآلياته أو شكله رغم انتهاء زمن "الحرب الباردة".

مصادر
سورية الغد (دمشق)