تتلاعب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمفهوم السلام مع سوريا ولطالما صدرت تصريحات من قبل مسؤولين اسرائيليين ومنذ اكثر من ربع قرن ولم يأت في هذه الاطروحات ما يشير الى وجود أي رغبة حقيقية لدى الجانب الاسرائيلي بإقامة سلام دائم مع جارتها سوريا. أما مع الطرف الفلسطيني فله مجال آخر، وهذا التفكير الاسرائيلي تعود جذوره الى طبيعة النشأة للكيان الصهيوني الاسرائيلي كونه كيانا اغتصب ارضا عربية بالقوة ومارس على مدى وجوده على الأرض العربية اشكالا من القهر والتعسف والاذلال والابادة والحرمان لسكان هذه الأرض الأصليين بل وعمل على محاولة تفكيك مرتكزاتهم الوطنية والدينية والاجتماعية حتى اصبح هذا المفهوم العنصري جزءا من الحياة الفكرية للمجتمع الاسرائيلي والذي دعا فيه وضمن برامجه التثقيفية الى التوسع وضم اراضي الغير تحت حجج شتى ا ستغل بها بعض التصريحات الخاطئة مطلع السبعينيات من قبل بعض القادة العرب لتثوير الحماس القومي لتدق اسرائيل على فرية أمنها القومي من ان العرب يستعدون لإلقائها في البحر حيث عمق ذلك في الذاكرة الاسرائيلية توجهها نحو العنف وهذه الفرية واحدة من الادعاءات الكثيرة والتي جلبت لاسرائيل المزيد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية في حين هي التي رمت أمة بكاملها في اتون الصراعات والاحباطات والمشكلات الداخلية والاقليمية. كما انها ربطت وجودها بتسيدها للمنطقة اقتصاديا وعسكريا.

ومضافا لتخوفها الأمني قدمت مفاهيم جديدة حول ما تسميه المظلومية الدينية و ربط ذلك بالسبي البابلي ليأخذ الصراع بعدا مثيولوجيا حتى ان هذا الكيان كان ينظر بجدية الى انشاء دولته الكبرى من النيل الى الفرات والتي لاتزال الى الآن عالقة في أذهان القادة الاسرائيليين ليتزامن هذا الحلم مع طبيعة الاستعدادات العسكرية الاسرائيلية ومنها عسكرة المجتمع الاسرائيلي وبناء ترسانته الضخمة من الاسلحة التدميرية لتكوين الرادع المخيف لدى جيرانها العرب ليكون لها السبق في معادلة ميزان القوة في الشرق الاوسط بل ان اسرائيل رفضت مرارا الانصياع لمقررات الأمم المتحدة في السماح للمنظمة الدولية بتفتيش منشآتها النووية أو حتى التوقيع على حظر انتشارها بل انها تخلق بين الحين والآخر ارباكا دوليا كلما سعت احدى الدول العربية أو الاسلامية لامتلاك حقها المشروع باستخدام الطاقة النووية للاغراض السلمية كي تنهال القرارات والمساعدات الدولية لصالحها لاستكمال قدراتها الشمولية من الاسلحة المتطورة ونظم المعلوماتية ناهيك عن الاتفاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية والتي تتعهد الأخيرة من خلالها بضمان أمنها والدفاع عنها في المحافل الدولية ولنا ان نذكر كم قرار دولي يدين اسرائيل اجهضته واشنطن ضدها. وعلى هذا الاساس بنت اسرائيل مفهومها للسلام فهي الدولة الأعظم قوة برأيها والأكثر أهمية والأعتى مظلومية. لذا فإن قرارها للسلام مع سوريا ان رغبت به فهو قرار الاملاءات الذي تقرره لاستحقاقات (حقها) المشروع بحيث لا تبقي للطرف الآخر أيا من الحقوق ان هي قررت مكان وزمان وشروط ذلك السلام فهي لا تريد ان تعترف بوجود قضية جوهرية لها مع سوريا، رغم دلالات وشواهد هذه القضية والمتمثلة باحتلال الاراضي السورية في هضبة الجولان ومؤامراتها المستمرة ضد هذا القُطر وتدخلها في الشؤون الداخلية لسوريا ومحاولة التأثير على علاقاتها بشقيقاتها الدول العربية والاسلامية. اما المفهوم السوري للسلام مع اسرائيل فيستند الى احترام قرارات الأمم المتحدة رغم ما ببعضها من جور على سوريا وكذلك يستند الى قرارات التجمعات العربية ومنها مؤتمرات القمة العربية وقرارات المؤتمرات الاسلامية والنداءات الصادرة من أي لقاء ثنائي دولي والذي يؤكد على الحقوق السورية والقواسم المشتركة التي يمكن من خلالها معالجة هذا النزاع ويؤكد على ثوابتها الوطنية والقومية وايجاد الحلول النهائية التي تكفل تعايش الشعبين لإبعاد المنطقة عن المغامرات والحروب الجديدة من اجل مصالح ا سرائيلية ضيقة لجنرالات مهووسين بالحروب حبا بالسلطة و مغرياتها بل ان سوريا ترى ان الجزء الفاعل في عملية السلام مع اسرائيل هو اعادة بناء الأمم المتحدة وفق منهج استقلالي محايد بعيدا عن الهيمنة الأميركية، واستغلال هذه المنظمة الدولية للرغبات الشخصية وللتسييس الخاطىء وان تحترم المنظمة الدولية الاستقلال الوطني وان تنأى عن التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان وعدم اجازتها لقرارات تبيح الغزو والعدوان وسماحها باستخدام القوة ولم يسمع يوما عن سوريا امتلاكها لأسلحة التدمير الشامل فلا مفاعلات نووية لديها ولا انشطة وبرامج عسكرية سرية ولم تتهم بجرائم الابادة البشرية وأي من الجرائم ضد الانسانية ولم تكن يوما قد اقدمت على حرب في المنطقة أو خططت لها أو اوجدت صراعا بين اطراف أو ساندت طرفا ضد آخر في أي صراع دولي أو اقليمي ولكن يعرف عنه كونها حاضنة أمينة لماضي العرب ورمزا لاشراقهم ومنها يتجدد الابداع الفكري والثقافي والأدبي وما يعرف عنها ان لها حقوقا معروفة في اراضيها والتي استولت عليها اسرائيل وفق منهجها العدواني التوسعي ولا يعقل ان تكون هذه الارض يوما اسرائيلية حتى لو قامت اسرائيل بتغيير بنيتها الجغرافية والبشرية واجبرت السوريين هناك على وضع غطاء الرأس اليهودي فوق رؤوسهم فالحقائق والأماكن تكون أشد ثباتا بمرور الز من ويكون السلام السوري من خلال قيمة هذه المرتكزات والدفاع عنها بعقل مفتوح وثابت تجاه السفسطة والغي الاسرائيلي الزائلين وبذلك ستدق سوريا اسفينا بين مفهومين متناقضين، المفهوم الاسرائيلي التوسعي المكابر على حقوق الآخرين ومفهوم حل المشكلات بالطرق السلمية ونسيان الماضي على أسس واقعية ومقبولة ولابد ان نذكر ان فرص السلام بين الطرفين لابد ان تتأثر بخطط الولايات المتحدة الأميركية ووجودها في العراق وحل أزمتها فيه فإذا كانت راغبة في ايجاد حل ما واعتمدت على سوريا في ذلك فسيكون هناك دفع جديد لعملية السلام بين سوريا واسرائيل ولربما ستلجأ أميركا لبعض الضغوط التكتيكية على حليفتها اسرائيل بقبول تسوية ما وبالتأكيد فإن سوريا ستكرر اعادة ثوابتها وحقوقها أمام الراعي المحتمل وهي فرصة لأن يلقى التعنت الاسرائيلي في رقبة الادارة الأميركية التي رعت هذا النهج العدواني والنتائج المحتملة من هذه الرغبة الأميركية ستصب قطعا في المجرى السوري حتى ولو كان بشكلها المعنوي. ان سوريا وقد شرعت بشراعها نحو السلام فهي قد كسبت ثقتها بدورها وكذلك العالم المتحضر وفضحت جبروت اسرائيل وعنادها. ذلك السلام الذي أرادته سوريا دون حجابات واغطية ودون ضغوط وايماءات من هناك أو هناك. فالدعوات السورية للسلام دعوات صادقة تنطلق من حتمية السلام مستقبلا ان لم يتحقق الآن وهي دعوة لأن تكف اسرائيل عن التهديدات التي تطلقها باتجاه سوريا ولعل آخرها تهديدات (عيمير) بالحرب، ان عيمير الذي هدد سوريا بالحرب قد انساق بعوامل فشله التي خلفتها الانتخابات الأخيرة لحزبه بل ومازالت تأثيرات الخسائر التي لحقت بالجيش الاسرائيلي في لبنان قد تركت الباب مفتوحا للقادة والسياسيين الاسرائيليين كي يطيلوا من مساجلاتهم وتعرية بعضهم البعض وحتى البحث عن منافذ جديدة للهروب منها باتجاه احداث أخرى يعدون لافتعالها في المنطقة ان لم يكونوا قد افتعلوها الآن ولكن هذه الاساليب والتي تقع ضمن تقديراتهم الخاطئة لن يستطيعوا بها الافلات من معرفة المجتمع الدولي لهذه الحقائق ومن هو أحد اسباب الفوضى في المنطقة بالرغم من طوق النجاة الذي ترميه لهم الولايات المتحدة الأميركية بين الحين والحين. ان عيمير سيعود بعد ايام ويغير من لهجته ويدعو الى السلام مع سوريا بنفس العقلية والضوابط القديمة وعلى اسرائيل وجميع قادتها العسكر ان يتخلوا عن النهج العدواني والذي تكون اندفاعاته للحرب بسبب الرغبات والتنافس والمصالح الشخصية فقد غدا هؤلاء غير مؤتمنين على مصالح شعبهم بعد ان تكشف ذلك من خلال الحرب المفتوحة وهم لا يرون غير الطائرات والمدافع والتي لا تستطيع ان تبحر مع الشراع السوري بهذا الثقل من آلة الدمار الحربية غير انها رسالة ترسلها سوريا من حين لآخر لتطلع العالم على منهجها الثابت نحو السلام وستأتي من اسرائيل اجوبة التسويف والمماطلة ونكران الحقوق.

مصادر
الوطن (قطر)