تعج المنطقة العربية بالنشاط السياسي، ويشمل ذلك لبنان وفلسطين وسوريا والأردن ومصر. ويحتل الموضوع الفلسطيني حيزا أساسيا في هذا النشاط، وكذلك موضوع القتال في مخيم نهر البارد.

الملاحظة الأساسية حول هذا النشاط، أنه بمجموعه يسير في اتجاهات متنافرة، ويبتعد كليا عن النشاط المركزي والجوهري الذي يجري بين واشنطن وإسرائيل. وتكون النتيجة أن هذا النشاط العربي كله يتحول إلى عمل لا مجد، وكأن الهدف منه هو ملء الفراغ فحسب، وإقناع الناس بأن الكل يقوم بواجبه، بينما هم لا يفعلون أي شيء على الإطلاق.

لنأخذ عينة من هذا النشاط العربي.

مصر منشغلة بحوارات مع الفصائل الفلسطينية. تريد حسب قولها أن تصل بهم ومعهم إلى خطة شاملة للتهدئة. تهدئة تضمن انتهاء دائما للاقتتال الداخلي، وتهدئة أخرى تجاه إسرائيل تضمن وقف إطلاق الصواريخ عليها. ويختفي خلف موضوع التهدئة موضوع أكبر يتعلق برسم الإطار السياسي للتحرك الفلسطيني المقبل، وفي القلب من هذه المسألة موضوع منظمة التحرير الفلسطينية حين يمتد موضوع الشراكة السياسية من الحكومة إلى منظمة التحرير. ما تريده مصر هو ضمان بقاء منظمة التحرير ضمن الإطار السياسي الذي تم رسمه في السنوات السابقة، وأدى إلى اتفاق أوسلو وتداعياته. تخشى مصر أن تؤدي التغيرات الفلسطينية الداخلية إلى تغيرات في الموقف السياسي الفلسطيني. تريد بقاء كل شيء على حاله، ومن دون التفات إلى الإجراءات العملية لإسرائيل ضد الفلسطينيين وفي قلب القدس.

الفلسطينيون منشغلون بلقاء بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي. أراد الطرفان التحضير الجيد لاجتماع ناجح، ونجح التحضير الجيد في إلغاء الاجتماع. قال وزير الخارجية زياد أبو عمرو «إن الجانب الإسرائيلي لم يوافق أثناء التحضيرات على أي من المطالب الفلسطينية، ما يجعل هذا اللقاء غير ذي جدوى». وحدد الوزير المطالب التي رفضها الجانب الإسرائيلي بـ«التزام إسرائيل بتحريك العملية السلمية إلى أمام، والإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة، وإطلاق سراح النواب والوزراء المعتقلين، وتسهيل حركة المعابر، والسماح ببناء الميناء البحري في غزة». وهذا كله دفع الرئيس محمود عباس إلى إعلان إلغاء اللقاء، رغم أنه كان من أشد المتحمسين لمواصلة اللقاءات، ولذلك يعتبر يأس عباس من مواصلة هذه اللقاءات مؤشرا إيجابيا.

والفلسطينيون في لبنان منشغلون باشتباكات نهر البارد، وهي اشتباكات مؤلمة، قدم فيها الجيش اللبناني شهداء من جنوده وضباطه، ودفع فيها المدنيون الفلسطينيون ثمنا فرض عليهم، وبدت الفصائل الفلسطينية عاجزة عن القيام بأي فعل يساعد في حل الأزمة، باستثناء إعلان دعمها للجيش اللبناني ورفعها للغطاء السياسي عن تنظيم فتح الإسلام. وتسير الأمور باتجاه التخلص من هذا التنظيم الذي لم يجلب معه سوى الخراب والقتل وسوء السمعة. وبالرغم من هذا الجانب الإيجابي إلا أن المعركة كلها تبدو كنشاز مقلق.

ويمكن أن نعدد نشاطات عربية أخرى، بعضها يجري في عمان حيث اختارت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير توقيتا غير مناسب، وهو الذكرى الأربعون لحرب حزيران 1967، لتعلن إلغاء «دائرة شؤون الوطن المحتل»، وهي إحدى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد أن كانت قد أغلقت من قبل مكتب الدائرة السياسية للمنظمة. ويجري هذا بينما تبحث مفاوضات القاهرة في كيفية تفعيل مؤسسات منظمة التحرير وإعادة بنائها. وهناك نشاطات أخرى تجري على حدود سوريا، حيث تبحث هيئات دولية في مراقبة حدود سوريا بحجة منع نقل أسلحة جديدة إلى حزب الله في لبنان.

هذه النشاطات كلها تنشغل بها المنطقة العربية، بينما بدأت في واشنطن اجتماعات إسرائيلية ـ أميركية تبحث في ما يسمى «الحوار الاستراتيجي»، وهو حوار يعقد بينهما سنويا، ويتضمن هذا العام ثلاث قضايا: التهديد الايراني ـ وتسليح حزب الله ـ وسيطرة حماس على السلطة الفلسطينية سياسيا وعسكريا (!!!). يترأس الوفد الإسرائيلي في هذه المباحثات شاؤول موفاز، رئيس الأركان السابق ووزير المواصلات الحالي، ويرافقه في المفاوضات وفد لافت للنظر يتكون من: مدير عام وزارة الخارجية، ومدير عام وزارة الأمن، ورئيس مجلس الأمن القومي، ورئيس لجنة الطاقة الذرية. أما توجهات هذه المباحثات فقد شرحها شاؤول موفاز كما يلي:

ـ البحث في التهديد الايراني، حيث المطلوب تشديد العقوبات المفروضة على إيران من أجل تحقيق نتائج في نهاية العام الحالي.

ـ حظر وصول الأسلحة إلى حزب الله غير مجد، والسلاح لا يزال يتدفق عليه، وعناصر حزب الله موجودون في جنوب لبنان.

ـ سيطرة حماس على السلطة الفلسطينية تشكل عثرة أمام استمرار المفاوضات، وبخاصة أن حماس تسعى إلى السيطرة على السلطة بأكملها(!!!).

ـ التوتر يسود منطقة الحدود مع سوريا، ودور سوريا مركزي في كل ما يحصل، ولكن يجب عدم اللهاث من أجل السلام معها، ومن الضروري إغلاق الحدود السورية ـ اللبنانية لمنع وصول الأسلحة إلى حزب الله.

هذا هو جدول الأعمال الأميركي ـ الإسرائيلي، ونلاحظ كيف أنه يختلف نوعيا عن جدول أعمال النشاط العربي، حيث يسير كل جدول في اتجاه مغاير للآخر. وهنا لا بد أن نلاحظ تطورين إسرائيليين:

التطور الأول: القرار الإسرائيلي الذي اتخذ قبل أيام بتشكيل طاقم من 11 وزيرا لمناقشة ما سمي «التهديد الأمني من جانب سوريا». وقد تم تشكيل هذه اللجنة بالرغم من الحديث الإسرائيلي المتكرر عن إمكان قيام مفاوضات للتسوية مع سوريا، وبالرغم من الإعلان المتكرر من أن إسرائيل غير معنية بحصول مواجهات مع سوريا.

التطور الثاني: اللقاء الذي سيعقد بعد أسبوعين من الآن، بين رئيس الحكومة ايهود اولمرت والرئيس الأميركي جورج بوش، ليبحثا حسب صحيفة هآرتس (5/6/2007) في العملية السياسية مع الفلسطينيين، وفي مبادرة السلام العربية، وفي كبح التهديد الايراني. وبهذا تكون المباحثات الاستراتيجية التي يجريها موفاز مقدمة وتهيئة للمباحثات التي سيجريها اولمرت.

وإذا ما قمنا بعملية مقارنة سريعة بين ما ينشغل به العرب من لقاءات وأبحاث ومعارك، وما ينشغل به الإسرائيليون والأميركيون، نجد أن الهوة بين الاهتمامين كبيرة، بل نجد أن ما ينشغل به العرب بعيد كل البعد عن اهتمامات الأميركيين والإسرائيليين، بل نجد أيضا أن العرب منشغلون بما يرضي الأميركيين والإسرائيليين، بينما هؤلاء منشغلون بالاستعداد للحروب ضد لبنان، أو سوريا، أو إيران، أو ضدهم جميعا في وقت واحد.

وأمام هذه الصورة الغريبة يحق لكل مواطن عربي أن يطلب من هذا الطرف العربي أو ذاك، أن يتم التوقف عن هذا التلهي ببحث المشاكل الفرعية الناشئة هنا وهناك، والانشغال فعليا ببحث كل المسائل الاستراتيجية التي يبحث بها الأميركيون والإسرائيليون في واشنطن.

إن البحث في حرب إسرائيلية ضد سوريا مثلا، أهم بكثير من الضغط على الفلسطينيين لضمان بقاء منظمة التحرير الفلسطينية جامدة في مكانها من دون تغيير أو تطوير، وإلا فإن الإعصار «غونو» سيضرب في المنطقة من جديد، وفي ضربته الجديدة لن يمر الإعصار من عُمان إلى ايران، بل سيختار عواصم عربية أخرى ليضرب فيها، ولينطلق منها، بينما تنشغل وزارات خارجية عربية منذ عام وأكثر، في بحث كيفية الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، وهي تفشل حتى في هذه المهمة.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)