تعود بين فترة وأخرى موجة الحديث عن استئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل. هذه الموجة تعلو حينا، وتهبط حينا آخر، وهي متعلقة بالدرجة الأولى بثلاثة أطراف: الولايات المتحدة، واسرائيل، سوريا، برغم ان الموقف العربي الرسمي تبنى خيار السلام استراتيجيا، وأكده بالمبادرة الشهيرة في قمة بيروت 2002 ثم في قمة الرياض الأخيرة (مارس 2007) بمعنى ان المناخ العربي العام مهيأ، ولكن تفاصيل المعادلات هي حتى هذه اللحظة بيد واشنطن وتل ابيب، ثم بيد سوريا التي دعا رئيسها في مناسبات عديدة الى استئناف المفاوضات وبالتالي لا يكفي ان تدعو سوريا الى استئناف التفاوض، ولا يكفي ان يطلق العرب مبادرات، ما لم تعط واشنطن ضوءا أخضر محسوبا ومدروسا مع اسرائيل.

ما الجديد في هذا المجال؟.. الجديد - وهذا واضح من خلال متابعة الصحافة الاسرائيلية - هو ان موضوع التفاوض بين اسرائيل وسوريا كان متوقفا كليا بطلب من واشنطن، وخصوصا في مرحلة الحرب على لبنان في يوليو 2006 والمرحلة المباشرة التي اعقبتها، اما اليوم فمن الملاحظ ان فكرة العودة الى التفاوض أصبحت من الموضوعات التي يزداد تداولها حتى ان «ايهود أولمرت» يعلن عن ذلك؟ ولو بحذر شديد.. ولا شك ان هذا التداول يترافق مع تطورات في المنطقة، ولا سيما في العراق، و تحديدا في تحولات أميركية اجبارية جعلت واشنطن تتحدث مع ايران، وتتقبل فكرة الحوار معها، وان يكون حتى هذه اللحظة حوارا محدودا، بالانسجام مع لغة أميركية فيها شيء من الهدوء النسبي الذي تحتاج اليه واشنطن في هذه المرحلة من اجل ان تتمكن من اعادة الامساك بأوراقها بعد المأزق التي مرت بها في العراق.

لا يعني كل ذلك اننا نرتقب مفاوضات سورية - اسرائيلية في القريب العاجل، ولكنه يعني بالتأكيد وجود مؤشرات مستقبلية، أو - على الأصح - تجارب على مؤشرات مستقبلية، وهنا نلاحظ بدقة ثلاثة امور: (1) إدارة بوش خففت من الاعتراض على فكرة التفاوض بين اسرائيل وسوريا. (2) أولمرت شكل طاقما وزاريا لبحث امكانية التفاوض مع سوريا من دون شروط مسبقة. (3) الأسد، كرر الدعوة الى التفاوض من دون شروط مسبقة ايضا. وهذا كله يؤسس لمناخ مختلف عن مناخ الجمود الذي سيطر على فكرة التفاوض منذ ان توقفت المفاوضات السورية - الاسرائيلية في عام 2000، قبل وفاة الرئيس السوري حافظ الاسد، وقبيل مغادرة باراك رئاسة الوزراء في اسرائيل، وهو قد كان آخر رئيس وزراء اسرائيلي يعايش المفاوضات مع سوريا.

هذا الجديد الذي يرصده المراقبون على مستوى فكرة العودة الى المفاوضات، يستحق ان يوضع تحت المتابعة الدقيقة نظرا الى أهميته بالنسبة تشكيل الوضع السياسي في المنطقة كلها وليس بالنسبة الى سوريا واسرائيل فقط.

مصادر
الوطن (قطر)