منذ ما يقرب من عام كامل، وبعد الحرب العدوانية “الإسرائيلية” على لبنان في يوليو/تموز الماضي، والجدل يعلو ويتزايد في الأوساط السياسية والعسكرية “الإسرائيلية” حول الموقف من سوريا وما يجب اتخاذه من سياسات إزاءها. وساعدت على توسيع هذا اللغط “الإسرائيلي”، إشارات عديدة صدرت عن القيادة السورية، وفي مقدمتها الرئيس بشار الأسد، تفيد بوجود رغبة سورية باستئناف “عملية السلام” والعودة إلى طاولة المفاوضات. وقد انحصر هذا الجدل، الذي امتد إلى الرأي العام السياسي “الإسرائيلي”، فشاركت فيه الحكومة والكنيست وأصحاب الرأي في الكيان الصهيوني، في اتجاهين: الأول يقوده (الموساد)، ويتلخص في رفض كل الإشارات السورية في هذا الصدد، والثاني تقوده الاستخبارات العسكرية، ويدعو إلى عدم رفضها واختبار صدقيتها قبل أن يتم رفضها، إن كان لا بد من الرفض.

ويأتي هذا الجدل والانقسام في ذكرى مرور أربعين سنة على حرب يونيو/حزيران 1967 واحتلال الأراضي العربية بما فيها الجولان السورية، وعشية مرور عام على “حرب لبنان الثانية” التي منيت فيها المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” بهزيمة قاسية على أيدي مقاتلي (حزب الله)، ولم تنته تداعياتها على المؤسستين العسكرية والسياسية “الإسرائيليتين” حتى اليوم. كذلك يأتي هذا الجدل في ظل فشل وتعثر المشروع الامبراطوري الأمريكي الذي كان مقرراً أن يبدأ بالعراق لتنتظم المنطقة في مشروع (الشرق الأوسط الجديد أو الكبير)، واستمرار أزمة الملف النووي الإيراني، في وقت يعتبر فيه “الإسرائيليون” أن الحرب على لبنان كشفت عن محور سوري- إيراني- حزب الله.

وفي الأسبوع الماضي، قام الجنرال شاؤول موفاز، الوزير في حكومة إيهود أولمرت والعضو البارز في حزب (كاديما)، بزيارة إلى واشنطن، قالت الصحف “الإسرائيلية”، إن مهمته الرئيسية فيها هي إقناع الإدارة الأمريكية بوجهة النظر “الإسرائيلية” إزاء الموقف من دمشق، والتي أصبحت تميل إلى قبول فكرة العودة إلى المفاوضات مع سوريا. لكن الزيارة لم تنجح، على ما يبدو من تصريحات الناطق باسم الخارجية الأمريكية، وما نسب إلى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس والتي عبرت في أثناء لقائها موفاز عن رأي الإدارة من أن سوريا لم تغير من سلوكها، ولم تظهر أي تعاون أو تقدم في ما هو مطلوب منها، الأمر الذي يترك الموضوع معلقاً حتى يقوم أولمرت بزيارة مقررة لواشنطن في التاسع عشر من الشهر الجاري.

ومعروف أن الإدارة الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية”، متفقتان على مسألتين رئيسيتين إزاء سوريا: أن الخطر الحقيقي على المشروع الأمريكي “الإسرائيلي” في المنطقة، يأتي من إيران، ويجب العمل على إبعاد سوريا عن إيران، وبالتالي إبعاد سوريا عن (حزب الله). وفي هذا الإطار يأتي موقف الأطراف الداعية لاختبار نوايا سوريا بشأن العودة إلى المفاوضات.

وبعيداً عن كل ما يتردد عن وجود خلافات في الرأي بين الإدارة الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية”، يظل ممنوعاً على أي طرف عربي أن يغرق في مثل هذه المزاعم، إذ لم تعد حاجة للتأكيد على مسألتين: الأولى أن الكيان الصهيوني، في نهاية الأمر، تابع للقرار الأمريكي، وأنه لا يمكن له التقدم خطوة واحدة من دون التنسيق مع الإدارة الأمريكية. وقد يستطيع اللوبي الصهيوني أن يقنع الإدارة الأمريكية بوجهة نظر “إسرائيلية” ما، أو حتى يجبرها عليها، لكن القرار يظل بيد الإدارة الأمريكية. والثانية أن “الخلافات” الأمريكية “الإسرائيلية” لا تعدو في أسوأ الأحوال أن تكون محاولات لخداع الأطراف العربية أولاً، ولحماية الكيان الصهيوني من جموحه ثانياً.

فإذا دققنا في المعطيات الثابتة والمؤكدة للأوضاع التي تواجهها كل من الإدارة الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية”، نجدها تخبرنا أن كل ما أقدمت عليه إدارة بوش كان نصيبه الفشل الذريع، سواء كان في العراق أو في أفغانستان أو في فلسطين أو حتى في لبنان، على الأقل من حيث النتائج. صحيح أن الهزيمة بالمعنى المادي لم تلحق بمشاريعها في هذه المواقع، وصحيح أيضا أنها تنجح في نشر “الفوضى الخلاقة” فيها بشكل واضح، لكنها لم تحقق نصراً أو نجاحاً في أي منها، وهو ما يترك الفرصة أمام قوى الرفض والممانعة مفتوحة لإلحاق الهزيمة بها.

باختصار، إنه مطلوب من سوريا، على نحو خاص، أن تحذر المؤامرات الأمريكية و”الإسرائيلية” عليها، وألا تنخدع بالألاعيب التي يفترض أنها خبرتها جيداً بعد عقود من احتلال الجولان، وألا تستبعد أن تكون الخطة الحقيقية الموضوعة على طاولة المباحثات الأمريكية “الإسرائيلية” ليست إلا توجيه ضربة عسكرية لها ولحلفائها، فتكون مستعدة وجاهزة للرد.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)