لم يعد هناك مجال للصمت على الاقتتال الدموي الفوضوي العشائري القبلي الحركي الدائر في قطاع غزة. وعلى كل إنسان فلسطيني ان يقف بحزم ضد استباحة أمن المواطن في القطاع. فالذي يجري هناك يبدو انه بدون نهاية. لكن الذي سيترتب عليه وعنه قد يكون نهاية المشروع الوطني الفلسطيني بشقيه السياسي والعسكري. و هذا الاقتتال الوحشي يأتي في مرحلة موت السلطة السريري ، تلك السلطة التي تحولت إلى مجرد جسد ميت ولا حياة فيه ولا يمكن إعادته إلى الحياة إلا بمعجزة.

حين يصبح قتال للفلسطيني للفلسطيني واجب حركي مقدس، يمكن لمحمية الصهاينة أن ترتاح وتضع أرجل قادتها في مياه فاترة. فالفلسطينيون يريحونها من المواجهة مع الفلسطينيين في القطاع. وبامكانها الآن أن تعزز حصارها وتشدده. وأن تشغل ماكينتها الإعلامية الرهيبة والممتدة على طول العالم وعرضه لتنشر صور الرعاع والزعران والمغرر بهم وهم يقتلون بعضهم في غزة. هذا بينما تقوم استخباراتها بدعم بعض المتآمرين لتأجيج الاقتتال وتسعيره وإدامته حتى آخر فلسطيني ينتمي لكل من حركتي فتح وحماس.

لم يعد مقبولاً الصمت على ذبح قضية شعب بسكاكسن وبواريد وقنابل أبناء هذا الشعب، هذا إن كان الذين يفجرون المعارك ويشعلون فتيل الاقتتال لازالوا فعلاً من أبناء هذا الشعب. فالذي يقتل بني جلدته ويقاتل شعبه نيابة عن الاحتلال لا يمكن أن يكون فلسطينيا. و الذي يجر أهالي قطاع غزة لمآربه الاستبدادية ويقيم العداء ويشجعه بين عائلات وعشائر غزة ليس من فلسطين ولن يكون فلسطينيا. والذي يستبيح مستشفيات القطاع ويمارس هوايته الدموية بقتل الأبرياء وبقتل إخوته الذين يعتبرهم من الأعداء. بالطبع وبشكل آلي تنتفي عنه صفته الفلسطينية ويصبح في قارب واحد مع الصهاينة الدمويين. ان يقتل الفلسطيني ويجرح العشرات من أبناء جلدته ويقتحم المستشفيات ويدمر الإنجازات، هذه جريمة لا تغتفر ولا يمكن الصمت عليها او السكوت عنها. وأن يقيم الفلسطيني الحواجز الطيارة ويقوم بإرهاب الناس وخطفهم وإعدامهم وإطلاق الرصاص على ركبهم وأقدامهم، هذه أيضا من الجرائم التي يجب محاسبة المجرمين عليها. ومعاقبة الذين يقفون خلفهم ويمدونهم بالمال والسلاح والدعم والحماية.

يجب على الشعب الفلسطيني المضرج بالدماء في قطاع التضحيات والعطاء والشهداء ان يهب ويقف سداً منيعاً بوجه الذين يتقاتلون ويحولون حياته إلى جحيم آخر أشد فتكاً من جحيم الاحتلال والحصار والإغلاق والتجويع والنفاق. وعلى شعب فلسطين أينما كان ان يعلن رفضه وعدم إعطاء الولاء والعهد لأي شخص يقوم بالاشتراك في الجرائم التي نشهدها في القطاع. وعلى الشعب في حال استمر الاقتتال أن يسرع في الدعوة لعقد مؤتمر شعبي فلسطيني يطالب برفع الحصانة الحركية والتنظيمية عن كل مجرم يشارك وشارك في الاقتتال وفي إشعاله وتسعيره وانتهاك حرمة الوطن والشعب.

ولا بد من وقفة شعبية تتحلى بكامل الشجاعة والمسؤولية، وقفة عز تليق بشعب التضحيات ونضالته، ليقول خلالها هذا الشعب كفاكم استباحة لحياتنا، ليس من اجل هذا وهبناكم أبناءنا وبناتنا وأطفالنا وشيوخنا وتضحياتنا واستشهاديينا ومقاومينا وأسرانا وجرحانا وأصواتنا الانتخابية. وكذلك سنوات الصبر والتحمل والعذاب والإذلال. بل من اجل مقاومة مشرفة وبنادق شريفة وبرنامج سياسي يعيد الحرية والسلام والأمان والاستقرار والرخاء والحقوق لكل الشعب الفلسطيني.

وعلى الشعب الفلسطيني ان يؤشر على الأجهزة والجهات والفئات المأجورة التي ما فتأت تعمل سراً وعلانية وفي الظلام من اجل تأجيج الاقتتال وتوسيع رقعة الصراع، ونسف أي بوادر وحدة وطنية واتفاق وحدوي قبيل أي حوار فلسطيني فلسطيني، من الممكن أن يخرج بنتائج توقف نزيف الدماء وتعيد للوحدة الوطنية الفلسطينية إشعاعها الذي غاب طويلاً. ولكي يضع منظمة التحرير الفلسطينية في حجرة التجميل والجراحة العاجلة من اجل إعادة بناء وتفعيل مؤسساتها، وكي تتمكن هذه المنظمة – الكيان الوطني الفلسطيني- بالفعل من ضم الجميع تحت راياتها ولتستعيد مكانتها وشرعيتها ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني بكل فئاته الوطنية والإسلامية.

إن حمام الدم الذي يغسل شوارع غزة هذه الساعات وفي هذه الأيام اكبر عار يلطخ سمعة ووجهة الفلسطيني أينما كان. يراودنا الخجل وتراودنا الحيرة ونقف عجزة عندما نرى دموية الاقتتال وحجم العداء المستفحل بين الأخوة الأعداء. ويقودنا هذا لسؤال شرعي : هل فعلاً القتال يجري بين فتح وحماس ام انه بين أجهزة مرتبطة بمصالحها الملتقية مع مصالح الاحتلال وبين فئات مقاومة تريد مقارعة الاحتلال غير آبهة بأي شيء آخر؟؟ و سؤال آخر يتبادر إلى الذهن: هل تعجز قيادات فتح وحماس عن ضبط عناصرها ووقف دمويتها؟ أم أن تلك القيادة متورطة فعلاً في معركة كسر عظم تجري رحاها في قطاع غزة، ظناً منها أن الذي يسيطر على القطاع يسيطر على الوضع الفلسطيني؟

نعتقد ان كل من يفكر بهذه الطريقة واهم وليس على صواب. لأن الشعب الفلسطيني مراقب شديد الحساسية ولصبره حدود، وان خرجت الأمور عن حدودها سوف يكون أول الخاسرين في صفوف شعبنا هما فتح وحماس. أما فتح فيكفيها ما هي فيه من تفتت وتشتت وشرذمة واختلافات وغياب للأطر القيادية والتنظيمية ولدورها الكبير الذي طار وتبخر بعد عملية اوسلو وخسارتها للأغلبية. وحماس عليها أن تأخذ العبرة من تجربة فتح وان تعي أن فوزها بالانتخابات في الضفة والقطاع لا يعطيها شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني كله ولا يمنحها حق التحدث باسم كافة أبناء فلسطين في كافة أماكن تواجدهم.

فهذا الشعب تعداده نحو عشرة ملايين أو أكثر لا يمكن ان تدعي حماس أو فتح أو أي فصيل آخر أنه يمثلهم أو انه رأس الشرعية الفلسطينية. و الحقيقة الواضحة اليوم هي أن الشعب الفلسطيني يحيا بدون رأس. لذا على الحركتين الاستفادة من التجارب وأخذ العبرة من الموقف الشعبي والمزاج الفلسطيني العام الذي أخذ بالتحرك ضد هذه الظاهرة. وفي النهاية شعب فلسطين وحده و عبر مؤتمر شعبي فلسطيني عام يقرر من يمثله ومن يمكنه النطق باسمه. وبالتأكيد لن يمنح ثقته بمن يطلق الرعاع والرصاص في غزة.