إنها جزء من مسلسل كوميدي رغم أنه اكتسب شكلا سياسيا، فالإسرائيليون أنفسهم غير قادرين على رسم ثقة بالحملة التحريضية التي ظهرت ضد دعوات السلام مع الغادري، وخبرة القيادات الإسرائيلية مع الفلسطينين ربما ترسم ملامح حقيقية لمسألة السلام بدلا من الحديث عن "سلام بين شعبين"... لكن الغادري أقحم اسم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في مداخلته، في محاولة هزلية لإعادة رسم صورته داخل القيادة الإسرائيلية.

بالطبع فربما تظهر خطوة الغادري على أنها "كشف إسرائيلي" في التلاعب بمفهوم السلام، أو باستحضار محطات نادرة داخل حلقة الصراع يظهر فيها حزب سوري حاصل على الجنسية الأمريكية، ويسعى للتفاوض نيابة عن السوريين!!!

لكن الحقيقة المرة هو أن "الغادري" انعكاس لواقع "رسمي" جسده النظام العربي في تعامل مع "الدولة العبرية"، فلم يستطع خلق فاصل ما بين "السلام" المطروح دوليا وطبيعة "إسرائيل"، فانتهى الصراع على مستوى الخطاب الرسمي إلى مصالحات مع فكرة "الدولة اليهودية" بدلا من أن ينتهي إلى مسارات تفاوضية سياسية واضحة المعالم، وربما هذا الأمر هو الذي يزعج الغادري في أحمدي نجاد، لأن الرئيس الإيراني لم يستطع حتى اليوم فرض فكرة التصالح على نفسه قبل أن يفرضها على شعبه.

بالطبع فمن المتوقع أن يشن الغادري "حربا فارغة" ضد الدولة في سورية، فهو معارض من الطراز الأمريكي الفاقع، لكن المقاربة التي قدمها حول إعادة الجولان بأنها تسليم لهذه الأرض السورية إلى "أحمدي نجاد" تدعونا إلى التفكير بنوعية الخطاب السياسي المسطح الذي يختصر "الجغرافية – السياسية" للشرق الأوسط بمقاربة على نشاطتها لكنها تكشف خوفا حقيقيا من بقاء صورة "الصراع" دون تزييف.

الغادري يملك نفس الانزعاج الإسرائيلي من "أحمدي نجاد"، وهنا لا تتعلق المسألة برئيس إيراني إنما ببقاء التناقض ما بين استمرار العدوان الإسرائيلي ودعوات التسوية التي تنطلق في كل مكان، فالمصالحة مع فكرة "الدولة اليهودية" استوعبت "العدوان" وأدخلته ضمن مسارات التسوية، وضمت أيضا إلى ثقافتنا، ربما من حيث لا ندري، المنهج الذي أتاح ظهور إسرائيل، فخرج الأمر عن نطاقه السياسي ليصبح ضمن التفكير الاجتماعي، وهذا ما يزعج على ما يبدو الغادري، بحيث يكسر الصورة التي كرسها العدوان داخل العقل الاجتماعي، ويتحدث عن "السلام بين شعبين".

ربما كان الرئيس الراحل أنور السادات أو من كسر التقليد السياسي، فبدأت مراحل الخلط وتعدد المرجعيات في السلام، واعتبار "العدوان" الإسرائيلي حربا ناتجة عن "عدم الثقة" أو "سوء الفهم"... لكن هذه التجربة المريرة لم تنه العدوان ولم تنتج السلام بل ربما على العكس أتاحت للتطرف أن يظهر على جانبي الصراع بشكل لم يسبق له مثيل. وخطوة الغادري اليوم هي كسر للتقليد الاجتماعي وربما لمخزون ذكرياتنا القاسي عن "العدوان" كمصطلح رافق أجيالنا منذ بداية القرن العشرين، وأنتج ذاكرة سوداء مليئة بالدم والحزن. لكن القفز إلى منصة الكنيست لا يمكنه أن يعيد ترتيب "الثقافة الاجتماعية"، فالسلام لا يعني البداية من الواقع الحالي بل لا بد من الإحساس بالعدل قبل أن تبدأ عجلة السياسة بالتعامل مع المفاوضات، وهذا الأمر بما نسيه الغادري فحمل "تفويضا" مكتوب بلغة العهد القديم ليتحدث عن "سلام بين شعبين"!!!!