بعد رحيل الرئيس الفرنسي اليساري فرانسوا ميتران الذي كانت فرنسا في عهده خاملة جاء جاك شيراك عام 1995 ليعيد الحياة الى السياسة الفرنسية بنقاطه العشر وفي مقدمتها تفعيل الردع النووي الفرنسي لتكون رسالة فرنسية للولايات المتحدة مفادها ان باريس لن تسير منذ الآن على هدى الدبلوماسية الاميركية. والنقطة الثانية المهمة تفعيل العلاقات الفرنسية مع الدول الفرانكفونية خصوصا لبنان مع اقرار فرنسي بأهمية الدور السوري في لبنان بشكل خاص. وجد الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد في السياسة الفرنسية تغيرا استراتيجيا ينبغي استثماره، وجاء العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 1996 ــ عناقيد الغضب التي ارتكبت خلالها مذبحة قانا الاولى- كفرصة مواتية لتلاقي سوريا وفرنسا على الساحة اللبنانية، وتم على اساسه تشريع المقاومة اللبنانية ردا على اي محاولة اسرائيلية لاستهداف المدنيين والمنشآت المدنية في لبنان، وفي نفس العام اعلن شيراك من تحت قبة مجلس النواب اللبناني بمناسبة انعقاد القمة الفرنكفونية ان انسحاب القوات السورية من لبنان مرتبط بالتسوية السلمية في المنطقة وكان ذلك موقفا غير مسبوق في تاريخ السياسة الفرنسية. اتخذت العلاقات السورية ـ الفرنسية في ذلك العام منحى الشراكة والتحالف الاستراتيجي وتجلى ذلك خلال الزيارة التي قام بها شيراك الى دمشق والحفاوة الكبيرة التي لقيها، في مقابل توتر العلاقات الفرنسية ـ الاسرائيلية التي ظهرت خلال زيارة شيراك الى الأراضي الفلسطينية ومحاصرة الجنود الاسرائيليين له. استمرت العلاقات السورية-الفرنسية بذات الوتيرة خلال السنوات اللاحقة واستقبل شيراك الدكتور بشار الاسد قبيل توليه الحكم في سوريا عام 1999 ثم جاء الى دمشق معزيا بوفاة الرئيس حافظ الاسد في اشارة الى متانة العلاقة بين الطرفين. وخلال السنوات الثلاث الاولى من حكم الرئيس بشار الاسد تعمقت العلاقة بين باريس ودمشق، وكان من نتيجتها اعادة انتشار القوات السورية في لبنان اولا ثم الموقف الموحد من الحرب الاميركية على العراق ولكن لم يمض عام كامل حتى بدأت العلاقة بين الطرفين تأخذ منحى نقيضا وانتهت هذه العلاقة باستصدار قرار مجلس الامن الدولي رقم 1559 بتواطؤ فرنسي ـ اميركي واطراف محلية لبنانية، واقليمية عربية، فلماذا حدث هذا الانقلاب في العلاقات الفرنسية-السورية؟!

اهم سبب مباشر في هذا التغيير هو شعور الفرنسيين بعد سقوط بغداد بأن واشنطن بسطت سيطرتها على الشرق الاوسط سياسيا واقتصاديا مع حليفتها الاوروبية بريطانيا وبأن فرنسا خرجت بلا نصيب من كعكة الشرق الاوسط. وهذا ما يفسر ايضا تغير الموقف الفرنسي من كل قضايا المنطقة بما فيها القضية الفلسطينية والعلاقة مع اسرائيل ولم يقتصر التغيير على الموقف من سوريا فقط، وخير دليل على ذلك تصريح لوزير خارجية فرنسا في عام 2005 اثناء زيارته لاسرائيل بأن فرنسا لم تعد صديقة العرب بل صديقة لاسرائيل وكان ذلك بمثابة اعلان عن تغير الاستراتيجية الفرنسية وانقلاب على الارث الديغولي الذي نادى به شيراك طوال سنوات حكمه باستثناء العامين الاخيرين. اما عهد ساركوزي فسوف يتسم بالتغطي بالمظلة الاوروبية ـ الاميركية ولن يحدث تغير في العلاقة الفرنسية-السورية.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)