من يستطيع تكذيب الرغبات في وقف الموت داخل شوارع غزة؟ وكيف نفهم التهجير على سياق الحرب الأهلية؟ ربما لا يحمل منطق "غزة" أكثر من صورة واحدة تعيد صياغتنا ضمن منطق القبيلة، فنعرف أن "الثأر" ربما يقوم من أنقاض الديمقراطية المشتعلة في فلسطين، أو ربما على رائحة الجثث المحترقة في العراق.

هل "قسوة" الديمقراطية مشاهد مكررة لما اختبرناه خلال ست سنوات؟ هذا السؤال الذي ستحمله الأجيال بينما نحاول اليوم التلهي بأصوات الرصاص التي تنطلق يمينا وبسارا بينما تتقاسم القبائل شوارع غزة وكأنها "سبية" تحتضر من كثرة الاغتصاب. لكننا في المقابل كنا قادرين على رسم أنفسنا أمام عدسات التصوير ونحن نغطي الوجوه أو ننتحب، أو نناشد الوجدان "الفلسطيني"، في وقت يصبح هذا الوجدان رملا في العيون، فلا نرى أن السياسة لا يمكنها إلا أن تحمل ثقافة وليس حفنة من المشاعر.

"قسوة" الديمقراطية من فوز حماس، أو كما ظهر في أول انتخابات عراقية تجعلنا ننظر داخل عقلنا قبل أن نرمي يمين الطلاق مع "الديمقراطية"... وتجعلنا نفكر أن "الحرية" امرأة ناشز، أو "جارية" تتسلى على موائد الإدارة الأمريكية، وفي عمق هذه الصور الافتراضية ربما ننسى أننا أودعنا هذه المفاهيم السياسية داخل "ثقافة التراث" فأنتجت مسخا من العنف المذهبي أحيانا، أو الاقتسام السياسي على شاكلة "فتح" وحماس... فنلعن الفوضى البناءة ونتجاهل أن فوضى ثقافتنا قادرة على رسم ألف حركة موت في الثانية الواحدة...

إنها "قسوة" الديمقراطية أو قسوتي... تعيدني لجاهلية "التباهي" بحمل السلاح أو ترويض النساء، بينما لا نملك سوى لحظة حاضرة يتقاسمها العنف والموت وخطاب التكفير أو الليبرالية. فعندما يستيقظ جبن اللحظات على "فراغ" غزة نتذكر أن كل الدماء التي سالت كانت لحرية غزة، وأننا اليوم نريد إعادة المدينة إلى بيت الطاعة.

سنجد أننا قادرون على تسمية الجناة، و "المخططات" الأمريكية لزرع الفوضى البناءة، لكننا عاجزون عن خلق "سلام" داخل أنفسنا في لحظة مواجهة الآخر... فلا حاجة لحمل الكاميرات واستقراء رغبة المجتمع، لأنه سيشعر مشاعره ويدفعنا للبكاء، بينما لن يوقف الموت المنتشر سوى الخروج من منطق التفكير بأن "غزة" أو "العراق" أو غيرها من الجغرافية المرهقة ليست سبية أو أنثى موروثة عن الآباء... هي وطن يحتج للسياسة وليس لبضعة مشاعر أو غريزة قاتلة.