مشهد الزميلة مريم البسّام مديرة الاخبار في تلفزيون الجديد اللبناني وهي تحمل الى قصر العدل في بيروت داخل سيارة الاسعاف ، هو مشهد يقول لنا ببساطة ان من يقرر خوض معركة مع السلطة الرابعة هو خاسر دون شك ، اذا امتلكت هذه السلطة بدورها الشجاعة وقررت المواجهة.
فربما تكون التقارير التي نشرتها نيو تي في عن فساد الوزير اللبناني شارل رزق قد مرت دون ان ينتبه لها الكثيرون ، لكنها الان ، ومع قضية البسام قد اصبحت على كل شفة ولسان . مع تهمة جديدة فاضحة في لبنان ، هي اعتداء وزير العدل بذاته على حرية الصحافة وعلى حقوق الانسان ، وبالتحديد حق الامومة المقدس.
معروف ان ما اثار جنون الوزير المذكور من نشر تقارير الفساد التي تدينه بعقد صفقات مالية بين وزارته وشركات يملكها هو باسماء اخرى ، هو ان هذه التهم قد تعيق حلمه بالوصول الى رئاسة الجمهورية ، بعد ان غدر بتحالفه مع رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ، لينضم الى فريق 14 اذار الذي عرف نقطة الضعف لديه فدغدغها مع العلم بان حظه في الرئاسة هو حظ ابليس في الجنة . اذ ان رزق لم يكن ليحصل على الوزارة نفسها لولا ان لحود اختاره وزيرا عنه في حصته داخل التشكيلة الحكومية . فيما يشير الى واقع كوميدي هو انه لم يعد من ماروني في لبنان الا ويمكن ايهامه بانه سيكون رئيسا للجمهورية.
فبالامس تم اقناع نائب معروف ، بالانسحاب لصالح سولانج الجميل ، في المعركة التشريعية ، بناء على وعد له بترشيحه لرئاسة الجمهورية ، والموعودون كثر ، اذا ما اضفناهم الى امين الجميل وسمير جعجع ونايلة معوض وفريد مكاري وبطرس حرب وغيرهم لوجدنا اكثر من عشرة اسماء معلنة حتى الان من قبل 14 اذار للترشيح ، قد نفاجأ عند الاستحقاق بان ايا منها لن يصمد في الساحة وان اسما جديدا خفيا قد يحتل مكانها جميعا ، ولا يعود امامها من خيار في تأييده.
هذا في حين تجمع المعارضة على مرشح واحد هو العماد ميشال عون. وليس السبب العميق الكامن وراء هذا التوزع ، مجرد نكتة او مظهر لتنافس ديمقراطي ولحالة تعددية ديمقراطية . وانما هو ترحيل لقواعد اقتصاد السوق الى الساحة السياسية . فالاميركيون الذين يوحون للجميع بانهم هم من يمتلك خيوط اللعبة ومن سيحسم في الخيار الرئاسي ، يفتحون بذلك سوق المنافسة على اشده ، المنافسة على استرضاء الوالي الولي ، الذي سيوزع الفرمانات ويختار صاحب اعلاها رتبة . ويندرج هذا الاسترضاء من موضوع الحملة على المقاومة اللبنانية ، الى الحملة على سوريا (حملة يقبضها دعاتها جدا ، وتستعملها واشنطن كمجرد ورقة ضغط في موضوعي العراق وفلسطين ، خاصة الاول) الى المحكمة الدولية ، الى وضع العصي في دواليب أي نفوذ اخر قد يتقاطع مع النفوذ الاميركي ، الى ما عداها من المؤامرات والافتعالات والجرائم التي تخدم الاستراتيجية الاقليمية للمحور الاميركي - الاسرائيلي.
وقد شهدنا في الايام الاخيرة مثالين على ذلك : الاول هو محدودية تعامل هؤلاء مع مبادرة المبعوث الفرنسي السفير كوسران ، التي عبر السنيورة عن رفضه المبطن لها بتاخيره استقبال كوسران مدة يومين كاملين مما جعل احد الديبلوماسيين الفرنسيين يعلق لصحيفة الاخبار ، لو طلب فيلتمان مقابلته في الثانية ليلا لاستقبله بالبيجاما دون ان يؤخره لارتداء ثيابه.
اما المثال الثاني فهو انتقال المندوب السامي جيفري فيلتمان من اسلوب استدعاء جماعته الى السفارة الاميركية في عوكر الى اسلوب زيارتهم في مقارهم ، ولكنها زيارات غير مجانية اطلاقا ، فهي لا تأتي الا بعد اطلاقهم تصريحت نارية ضد الاشخاص او المشاريع السياسية الذين لا ترضى عنهم واشنطن . وقد رأينا امين الجميل وسمير جعجع ونائلة معوض (مباشرة او عبر ابنها) يتبارون مع العديد من الصف الثاني في بلاغة ترجمة الافكار الفيلتمانية . تماما كما وجدنا الوزير بيار رزق ، وزير العدل ، يتحدث عن عدم كفاءة القضاء اللبناني وعدم اهليته للثقة ، وذلك في سياق الصراع على المحكمة الدولية. هذا عدا عن الخطوات العملية التي اجبر هذا القضاء على اتخاذها مدعوما بجهاز المعلومات التابع للسنيورة. في ذات الوقت الذي كان هو منشغلا بترتيب عقود بين شركته ووزارته . لكنه وقع وشر ما في وقعته انه كان غبيا بحيث لم يكتف بالاساءة الى السلطة الثالثة بل دق رأسه برأس السلطة الرابعة.