الاسبوع الماضي كان سورياً بامتياز في اسرائيل، فقد تمحور النقاش سواء في الحلبة السياسية أو وسائل الإعلام حول جدلية أو ثنائية الحرب والسلام مع سوريا، نتيجة لذلك وربما هروبا منه خصص المجلس الأمني الاسرائيلي المصغر جلسته لمناقشة المستجدات على الجبهة الشمالية وتحديدا السورية وخرج بيان يؤكد فيه رئيس الوزراء إيهود أولمرت أن اسرائيل معنية بالسلام مع سوريا وأن وجهتها ليست للحرب، وبالتالي يجب الحذر من سيناريو من شأنه أن يؤدي إلى تدهور أمني.
لو كنا بصدد التعامل مع دولة سوية متصالحة مع نفسها ومحيطها لصدقنا أو على الأقل ملنا لتصديق البيان الصادر عن المجلس الأمني الصغر غير أن تسرب تفاصيل عن طبيعة النقاش الذي جرى داخل المجلس أفرغ البيان من محتواه، فطوال الجلسة لم تتم مناقشة السلام واحتمالاته مع سوريا بل على العكس جرت دراسة الحرب واحتمالاتها. وكالعادة كان نجوم الجلسة الجنرالات من المؤسسات والأجهزة الأمنية المختلفة الذين تباروا في عرض معطياتهم الأمنية وتقريراتهم المتناقضة لما يجري على الجبهة الشمالية وتحديدا في الجولان ومدى وعمق الاستعدادات والاحتياطات السورية التي أجمعت التقريرات على كونها ذات طابع دفاعي محض ومستند الى قاعدة أن زمن السكوت السوري على الاستفزازات والتجاوزات والاختراقات الاسرائيلية قد ولى.
إذاً، من حيث الجوهر نحن أمام استعدادات إسرائيلية للحرب وليس للسلام مع سوريا غير أن هذه القناعة لا تلغي ضرورة فحص ودراسة واستكشاف أسباب وخلفيات الدعوات والنداءات الإسرائيلية إلى استئناف المفاوضات أو على الأقل جس نبض سوريا تجاه تصور هذه لمستقبل المفاوضات وعملية التسوية مع إسرائيل.
تطورات الأسبوع الماضي توجت في الحقيقة ولخصت الأحداث والصيروات التي عصفت بإسرائيل طوال العام الماضي الذي أعقب الحرب الفاشلة ضد لبنان. فرغم بعض الاختراقات الجنوبية أو الفلسطينية إلا أن العام كان شماليا بامتياز سواء في شقه اللبناني أو السوري، وتدريجا ورويدا رويدا بات مصطلح الجبهة الشمالية يعني تحديدا الجبهة السورية مع ميل اسرائيل إلى اعتبار الجبهة اللبنانية ملحقا أو جزءا من نظرتها إلى تطور الأحداث وتسارعها مع سوريا.
في ذروة حرب لبنان تحدث إيهود أولمرت عن أن نتيجة الحرب ستدفع مزيدا من الهواء في أشرعة خطة الانطواء (الانسحاب الأحادي الواسع من الضفة الغربية)، أي أن حرب لبنان في أحد أبعادها الاستراتيجية كانت تعني إقفال وطي للجبهة الشمالية ببعدها العسكري وربما حتى السياسي مع تركيز على الجبهة الجنوبية ـ الفلسطينية وعلى قاعدة المفهوم أو التخطيط الأحادي الذي يجتهد للاستفادة من التطورات الإقليمية والدولية ـ ومن ثم حرب لبنان ـ لرسم الحدود من جانب واحد والتخفيف قدر الإمكان من العبء الفلسطيني لصالح التفرغ للمشاكل الداخلية الاسرائيلية والحفاظ على الدولة العبرية يهودية وديموقراطية مع إعطاء جل الاهتمام والتركيز الخارجي للتهديد الاستراتيجي المركزي بحسب المصطلح الاسرائيلي، أي للملف النووي الإيراني. هذه الأمور مجتمعة تمثل ما يوصف في اسرائيل بتراث أو طريق شاروت الذي أكد أولمرت خلال الحملة الانتخابية الأخيرة وعند تسلم رئاسة الوزراء أوائل أيار/مايو من العام الماضي على أن هذا التراث يمثل خريطة الطريق الوحيدة المقبولة لديه.
جرت الرياح بما لا تشتهي سفن أولمرت وحزبه كديما وحتى اسرائيل بشكل عام، فقد عجز جيش الاحتلال عن تحقيق الانتصار على المقاومة اللبنانية، واتضح كما أشار تقرير فينوغراد أن ثمة ثغرات بنيوية عميقة طبعت الأداءين السياسي والعسكري في اسرائيل. وأبعد من ذلك فإن الحرب كشفت ضعف وهشاشة المفهوم الأمني الاستراتيجي الذي بلورته الدولة العبرية خلال العقود الأخيرة، وهذا المعطى مضافا إليه العجز عن إزاحة حماس من سدة السلطة الفلسطينية والفشل في وقف سقوط الصواريخ على المستوطنات والتجمعات السكانية الاسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، وكذلك الإخفاق في تبني استراتيجية فلسطينية تلحظ إضعاف حماس وفي نفس الوقت تقوية الرئيس محمود عباس ومحيطه الأمني ـ السياسي ـ أو عدم الرغبة في دفع ثمن ذلك اقتصاديا وسياسيا وأمنيا ـ كل ذلك دفع بأولمرت والفريق الحاكم إلى نغمة اللاشريك واجترار المزاعم والأكاذيب عن عدم وجود شريك تفاوضي فلسطيني قادر على تحمل المسؤولية الأدبية والمعنوية والمادية عن التفاوض مع اسرائيل وتنفيذ أي تفاهمات قد يتم التوصل إليها، وبالتالي اليأس من إمكانية التقدم على الجبهة الجنوبية وفق المفهوم الأحادي ـ الانطواء ـ أو الثنائي ـ التفاوض ـ. وللهرب من هذا الواقع لجأ أولمرت إلى الحيلة أو اللعبة القديمة بالتنقل أو الهرب بين المسارات التفاوضية المختلفة، ومع تلاشي الامل أو انعدام الإرادة لإحياء المسار التفاوضي الفلسطيني تم اجترار المسار السوري في عملية تشاطر وتذاك واضحة وجلية وغير خافية على أحد داخل اسرائيل أو خارجها وهي العملية التي تهدف أولا وأخيرا لإنقاذ المستقبل السياسي لأولمرت وبقائه في منصبه لأطول فترة ممكنة تحضيرا للمرحلة المقبلة في اسرائيل التي تشهد تطورات مهمة قبل انتخاب زعيم جديد لحزب العمل والتقرير النهائي للجنة فينوغراد حول الأداء السياسي والعسكري خلال حرب لبنان، وهما التطوران اللذان يرغب أولمرت في تجاوز تداعياتهما السلبيية تحت ستار كثيف من الدعاية وتسويق وترويج نفسه كرجل سلام لا يفتأ يقلب كل حجر من أجل تلافي الحرب والوصول للسلام مع المحيط العربي وخاصة مع سوريا.لعبة او تشاطر وتذاكى اولمرت تتضح معالمها
من خلال حديثه عن الاستعداد للانسحاب من كل هضبة الجولان شرط الحصول على مقابل سوري يتمثل في فك التحالف الاستراتيجي مع إيران وحزب الله والتوقف عن دعم وإيواء حركات المقاومة الفلسطينية وانتقال سوريا من محور المتطرفين إلى محور المعتدلين، هذا الفهم يتجاهل جذر الصراع الأساسي والرئيسي في المنطقة ألا وهو الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. وأي محاولة لتحييد سوريا مع الاستمرار في احتلال فلسطين وتوجيه الضربات للشعب الفلسطيني والاصرار على سلبه ومصادرة حقوقه، ستؤدي حتما الى مزيد من التوتر والعنف وليس الى مزيد من الهدوء والسلام.
الدعوات للسلام مع سوريا هي مجرد خدعة أخرى وكسب للوقت من أجل الاستعداد للحرب، وفي نفس الوقت شق طريق التفافي للهروب من المبادرة العربية التي أعادت القمة العربية الأخيرة التأكيد عليها والتي تطرح مقاربة أو سلة متكاملة وشاملة لحل الصراع في المنطقة تتمثل في الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة مقابل التطبيع والسلام من قبل الدول العربية.
نوايا اسرائيل الحقيقية لا تتضح فقط من طبيعة مداولات مجلس الوزراء الامنى المصغر وانما ممكن تلمسها من التصريح اللافت للمرشح لزعامة حزب العمل ايهود باراك والصامت خلال الحملة الانتخابية والناطق فقط بجملة واحدة: على اعضاء حزب العمل الانتباه. فهم يختارون من سيقود اسرائيل خلال الحرب القادمة. من غزة وسديروت الى الجولان، اسرائيل لا تفعل شيئا سوى الاستعداد للحرب القادمة رغم علمها ان زمن الانتصارات السريعة والسهلة قد ولى. غير ان الدولة القائمة على حد السيف لا تستطيع التصرف الا وفق غريزتها الاساسية: الاستعداد للحرب القادمة بمجرد الانتهاء من الحرب السابقة.

مصادر
السفير (لبنان)