يبدو أن الأميركيين في العراق مصرون على تصحيح الخطأ بخطأ آخر. لكن المؤمنين بقدراتهم الخارقة يعتقدون بأن سلسلة الأخطاء التي ارتكبوها، منذ حل الجيش العراقي وتفكيك أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية ليست سوى خطة محكمة لترسيخ الديموقراطية والحريات. أما الخبثاء، وبينهم استراتيجيون في مقدمهم بريجنسكي، فيقولون إن ادارة بوش فشلت فشلاً مدوياً في الحرب وفي ادارة الصراع في بلاد ما بين النهرين. دليلهم الى ذلك آلاف القتلى من الأميركيين ومئات الآلاف من العراقيين، وتقرير بيكر - هاملتون. وعجز القوات المشتركة والمرتزقة عن بسط سيطرتها حتى على المنطقة الخضراء في قلب بغداد.

والدليل الأكثر حسية هو الاعتراف المتأخر بالمقاومة العراقية، والمحاولات الدؤوبة للحوار مع جماعاتها، وتشكيل ميليشيات سنية من العشائر لمحاربة تنظيم «القاعدة». وهذا يؤكد، في أفضل الأحوال، العجز عن بناء دولة واحدة لعراق موحد.

يبرر قادة عسكريون أميركيون هذا التوجه بسوابق تاريخية استعمارية لمواجهة المتمردين. يقولون هذا ما فعله الفرنسيون في الجزائر، والبريطانيون في مستعمراتهم، «ونحن في فيتنام». ويعترفون بأن هذه التجارب كانت فاشلة. فغالباً ما ارتد «المتعاونون» ضد مموليهم. لكن الجنرال ريك لينش يبرر الاتصال بالمتمردين وتسليح العشائر السنية بأن أحداً لن يحصل على الدعم اذا كانت يداه ملطختين بالدم الأميركي.

وبعيداً عن التجارب التاريخية يخوض الأميركيون في العراق تجربة في الأنبار وفي العامرية. يقولون إنها كانت ناجحة حتى الآن. في العامرية سلحوا جماعات سنية مناهضة لـ «القاعدة» فاستطاعت طرد التنظيم من هذا الحي البغدادي. اما في الأنبار فما زال القتال بينه ومجلس العشائر محتدماً.

ونود الذهاب أبعد مع المنطق الأميركي. لنفترض أن التجربة نجحت وأن الميليشيات السنّية استطاعت الانتصار على «القاعدة» فما دور السلطة العراقية في ذلك؟ ولمن ولاء هذه الميليشيات، للحكومة أم للممول؟ وما موقف الميليشيات الشيعية، الى من ستوجه سلاحها؟ ألا يفترض المنطق أن توجهه الى الميليشيات السنية والى الجيش الأميركي أيضاً؟

أغلب الظن أن الأميركيين يخططون لإقامة فيديرالية ميليشيات في العراق. هناك «البيشمركة» هذه الميليشيا العريقة في الشمال، و «جيش المهدي» الملاحق حالياً ومنظمة «بدر» في بغداد، والميليشيات الحديثة العهد التي يجري تشكيلها في المناطق السنية، فضلاً عن القديم منها، مثل تشكيلات البعث ووحدات الجيش السابق، والمرتزقة، والوحدات الخاصة لحماية المسؤولين، والمؤسسات وشركات النفط وأنابيبه، وحدود الكانتونات، والحدود الدولية.

ان ما يفعله الأميركيون في العراق وصفة سحرية للحرب الأهلية، وقد يكون ما يفعلونه خطأً، اذا أحسنا الظن، أو خطة لتشكيل نموذج في المنطقة. ومن حقنا أن نخشى تعميم هذه التجربة في لبنان المعرض أكثر من غيره لرياح التغيير الديموقراطي، خصوصاً أن أمراء الحرب وزعماء الميليشيات فيه جاهزون لتلقي أي مساعدة فكيف اذا كانت من البيت الأبيض الذي لـ «نا» فيه بيت.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)