زاد عدد المفتين والشيوخ في العالم العربي بشكل رهيب، وذلك في ظل تمدد الإسلام السياسي وسيطرته على المناخ العام بل لقد تطورت صورة شيخ الدين وأصبحت تجاري العصر الحديث وتحاكي عقول وقلوب الشباب الصغار، فأصبح هنالك شيوخ دين «مودرن» يتناولون القضايا الشبابية بروح دينية، ويرتدون اللباس الغربي إلى درجة أن عمامة رجل الدين ولباسه العربي أصبحا قليلين مقارنة بالسابق.

ولكن مثل هذا التحول في هيئة وجوهر رجل الدين لم يكن من دون سلبيات خاصة في ظل الاتجاه المتنامي لتسييس الدين كعقيدة ومنهج ففي كتابه «الإسلام والسياسة» يتناول المستشار محمد سعيد العشماوي مظاهر الإيديولوجيا أو الاتجاهات السياسية التي تستخدم الطبقية أو القومية أو المعتقدية في أغراض سياسية وأهداف حزبية، ويخص بذلك بعض شعارات وهتافات يرى أنها تضر بالإسلام المستقيم والمسلمين عامة قبل أن تؤذي غيرها.

ولأن العشماوي من أكثر الباحثين في موضوع «الإسلام والسياسة» فقد حرص على حد قوله في متابعة برنامج تلفزيوني تحت هذا العنوان تحدث فيه أحد المشايخ الكبار وبصورة أثارته، فرصد لها فصلا كاملا في كتابه مؤكدا بذلك على ما ذكرناه في بداية حديثنا من أن أزمة الإسلام الآن هي مع بعض «الشيوخ» الذين أصبحوا يسيئون إليه وإلى المسلمين.

فهذا الشيخ الكبير على حد تعبير «الكاتب» يتهم أي مخالف له بأنه «علماني» وتحت تأثير غربي، والواقع في بحور الغرب والثقافة غير الإسلامية فيسبق اسمه لفظ «دكتور» وهو لفظ غربي له أصل كهنوتي تطور إلى عدة معان أهمها التخصص في الدراسات اللاهوتية المسيحية.

كما أنه يعرف السياسة بأنها تطبيق الدين، ليوهم بذلك بأنها لا تنفك عنه وأنها لازمة لأعماله، وأن الدين من دون السياسة يكون مجرد كلام بغير تطبيق، وهنا يناقض ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم» أي يتولى الأنبياء قيادة أمورهم».

ثم يستشهد «العشماوي» بما ورد في التراث الإسلامي من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم إلى «بريدة» إذ قال له: «إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزل على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا». وفي حديث الشيخ الكبير عن طاعة أولي الأمر والفقهاء..

يتساءل المستشار العشماوي هنا عن هؤلاء الفقهاء! من هم؟ ولماذا تلزم طاعتهم؟ وماذا إذا اختلفت آراء الفقهاء في موضوع واحد، وهل يكفر من يتبع رأي واحد منهم ويطرح رأي الآخرين؟ ليس المستشار العشماوي وحده هو المستاء من ذلك التسخير الخطير للدين في أغراض سياسية وحزبية آنية ومؤقتة! وليس «الشيخ» الكبير وحده هو الذي يحتكر أحكام الدين وفتاويه، ويخرج من يشاء من الملة والعقيدة!

فلقد شهدت المنطقة منذ منتصف السبعينات تياراً قويا ومتصاعدا يسخر الفتاوى والأحكام الدينية ويطوعها بصورة غالبا ما تفرغها من محتواها وجوهرها الحقيقيين. ظاهرة الشيخ «المودرن» أصبحت تستخدم جميع أشكال التكنولوجيا «العلمانية» المنشأ، من محطات تلفزة وإنترنت وشبكات اتصال وذلك في «جهادها» الجديد ضد الحداثة والديمقراطية بشكل خاص، والحاجة أصبحت ملحة لتيار آخر عقلاني المسلك يعيد الدين الإسلامي من مغتصبيه إلى قلوب المؤمنين المسكونة أمنا وسلاما وحبا.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)