توقفت الانتفاضة الفلسطينية، وانخفضت وتيرة العمليات العسكرية ضد إسرائيل، وقل الاهتمام العالمي بقضية العرب الأولى، لان أصحابها نحوا كل ذلك جانبا وتفرغوا لقتال بعضهم بعضا في شوارع غزة ونابلس. ما تراه العين أقل ما يوصف به هو الجنون بعينه لأنه ببساطة أحد الأحلام الكبرى التي تتحقق لإسرائيل، فالدم الفلسطيني الذي كان محرما يوما مباح الآن بأيد فلسطينية، وعواصمنا العربية تقف مشدودة أو متفرجة لما يحدث.

ولعل السؤال الأهم الآن هو: علام يتقاتل الفلسطينيون؟ وهل نسى رفقاء السلاح قضيتهم الأساسية وهى تحرير الأرض وراحوا يبحثون عن موقع هنا أو زاوية هناك؟ وليت هؤلاء يدركون الآن وبعد سقوط عشرات الضحايا أن مشكلاتهم لن تحل بالسلاح.

بل بالحوار الهادئ البناء الذي يترجم على أرض الواقع، بدلا من أن يخترق قبل أن يجف المداد الذي كتب به الاتفاق. وما أكثر الاتفاقات التي تم التوصل إليها دون فائدة أو احترام لها، وما أكثر الاتهامات التي يكيلها كل طرف للآخر حتى أصبحت الحقيقة ضائعة بين كل طرف.

ولعلنا نتساءل مع الآخرين: ألا يمثل الوضع المتردي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة مبرراً كافياً لوقف القتال بين فتح وحماس؟ ألم يتوقف هؤلاء عند التقرير المخيف الذي أصدرته مؤسسة أوكسفام التي تعمل في مجال الإغاثة الدولية، والذي أشار إلى أن الفلسطينيين يواجهون تزايداً في ديونهم الشخصية.

وأنه لم يعد لدى ثلاثة أرباعهم ما يبيعونه لتلبية احتياجاتهم؟ ولمناصري فتح وحماس نقول: إن مليون فلسطيني يعانون من انقطاع مرتبات 161 ألفا يعملون في السلطة الفلسطينية بعد تعليق المساعدات الغربية للفلسطينيين، الأمر الذي جعل أكثر من نصف العائلات الفلسطينية تغرق بصورة متزايدة في الديون.

ولمناصري فتح وحماس أيضا نقول: إن الأرقام السابقة تعنى أن من بين كل 15 عائلة تزيد مديونية عائلة واحدة على 25 ألف دولار في مجتمع يقل فيه متوسط الراتب عن 3500 دولار سنويا. ولمناصري فتح وحماس ولكل فلسطيني غيور على وطنه السليب نقول أيضا .

وكما أكدت دراسة أوكسفام التي شملت 2500 عائلة في غزة والضفة الغربية، أن أربعين في المئة باعوا مقتنيات شخصية أو سلعا منزلية أو مجوهرات أو أثاثا لتدبير تكاليف المعيشة، في الوقت الذي أشار فيه ثلاثة أرباع من شملتهم الدراسة، انه لم يتبق لديهم شيء لبيعه.

هذه هي الحقائق التي يعرفها بالتأكيد مناصرو حماس وفتح، ومع ذلك فإنهم مستمرون في خططهم الجهنمية التي تقضي على الأخضر واليابس، وتدمر المعبد على من فيه. ومما يزيد الأمر سوءا أن دخان الأحداث في غزة بدأ يتصاعد لتصل رائحته الكريهة إلى نابلس الأمر الذي يوحي بكارثة لا يعلم مداها إلا الله وحده.

وإذا كان زياد أبو عمرو وزير الخارجية الفلسطيني قد حذر من خطورة وصول شرارة الأحداث إلى الضفة الغربية، فإنه حاول أن يرمي الكرة في الملعب الدولي وتجاهله للأوضاع المالية المتردية التي يواجهها الشعب الفلسطيني وحيدا. ورغم أن تصريحات أبو عمرو تبدو صحيحة «على الأقل في جزء منها» إلا أن ذلك لا يعد مسوغا كي يقتل الفلسطيني أخاه، أو أن تكون الصواريخ والتفجيرات هي الوسيلة الوحيدة للتفاهم بينهما.

وإذا كان الجانب الفلسطيني يتحمل العبء الأكبر لما آلت إليه الأمور في قطاع غزة وما يمكن أن يحدث بالضفة الغربية، فإنه مطالب اليوم وبأقصى سرعة بضبط النفس واللجوء إلى لغة الحوار العاقل منهجا ووسيلة وتهدئة الأوضاع هدفا وغاية.

ومع مطالبة الفلسطينيين بتحكيم العقل، فإن العواصم العربية معنية بما يجري في المدن الفلسطينية، وعليها تقع مسؤولية جمع الفرقاء وحل مشكلاتهم وتقديم الدعم المادي لهم، حيث لا يمكن مخاطبة الرأي العام الدولي بصورة عامة والغربي بصورة خاصة بدعم الفلسطينيين، دون أن يتقدم العرب الصفوف، وما لم ينح رفقاء السلاح بنادقهم جانبا، وينهوا على وجه السرعة حرب داحس والغبراء، وإلا فإن التاريخ لن يرحم أحدا.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)