بيتر بينارت*

ترجمة : إياد ونوس

من الجيد بالتأكيد مساعدة الدول الضعيفة. لكن القوى الكبرى لا زالت تمثل التحدي الأكبر. يأمل جون إدوارد في التخلص من نظرية "الحرب على الإرهاب"، وكان

من الجيد بالتأكيد مساعدة الدول الضعيفة. لكن القوى الكبرى لا زالت تمثل التحدي الأكبر.

يأمل جون إدوارد في التخلص من نظرية "الحرب على الإرهاب"، وكان ذلك عنوان الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس العلاقات الخارجية الشهر الماضي. لكن ذلك لا يمثل حقيقة الأمر. وتبدو نظرية "الحرب على الإرهاب" في طريقها إلى الزوال على أية حال، فحلفاؤنا لا يتقبلون هذا المصطلح، وكذلك الجيش.

حتى دونالد رمزفيلد حاول التخلي عنها منذ سنتين. ولن تستمر هذه النظرية على الأغلب مع إدارة ديمقراطية، ولا حتى مع حكومة جمهورية.

إن حقيقة الأمر لا تكمن في ما يريد إدوارد تغييره في السياسة الخارجية، بل أين سيقوم بذلك. في خطاب يتضمن أكثر من 5000 كلمة، مر إدوارد على ذكر كل من الصين والهند مرة واحدة. كلنه استغرق في ذكر روسيا في عدة فقرات. كان اقتراحه الأكثر تحديدا هو "المعونات" لمساعدة الدول المأزومة. وعندما وضع قائمة بالمهمات المستقبلية للجيش، قدم التحدي الذي تقدمه الدول "الضعيفة والفاشلة" قبل التحدي الذي تمثله الدول الآخذة بالتحول إلى قوى كبرى.

لا بد وأن باراك أوباما كان يهز رأسه بالموافقة. ففي كلمته منذ بضعة أسابيع، أسهب في ذكر "الدول الفقيرة والضعيفة والخالية من نظام الحكم". ذكر الصين مرتين، لكنه تريث بشأن روسيا، من حيث أنها دولة فقيرة وضعيفة وغير قادرة على حماية قدراته النووية، أكثر من كونها قوة منافسة.

يعتبر هذا تغيرا كبيرا. منذ أن أصبحت الولايات المتحدة قوة عالمية، سيطرت العلاقات مع الدول القوية على سياستنا الخارجية. (حتى عندما دخلنا الحرب في كوريا وفيتنام أو عندما حاولنا قلب الأنظمة في كوبا ونيكاراغوا، كانت الغاية الأكبر من ذلك منع الاتحاد السوفييتي من التوسع). لكن بحلول عام 2000، عندما تحدثت كوندوليزا رايس عن السياسة الخارجية لجورج بوش الابن في مقالة نشرت في مجلة "فورين أفيرز"، مرت على ذكر روسيا 35 مرة وعلى الصين 24 مرة.

من الواضح أن تفجيرات 11 أيلول من التي قامت بها أفغانستان قد غيرت مجرى الأمور. لكن في الوقت الذي حولت حكومة بوش انتباهها إلى الشرق الأوسط، بقيت تنظر بنفس الطريقة نحو الإرهاب كمنتج (مزعوم) للقوى الصاعدة التي تشكل تهديدا مثل العراق وإيران.

الآن، مع اقتراب انتهاء فترة حكومة بوش، يقدم القادة الديمقراطيون تفسيرا أكثر تطرفا: لا تظهر أحداث 9/11 إلى حد بعيد أن الولايات المتحدة تواجه تهديدا من القوى الصاعدة في الطرف الآخر من العالم؛ إنها ترى أن القوى العظمى في العالم لا تشكل تهديدا على الإطلاق. يرون أن الخطر الحقيقي يأتي من الدول غير القادرة على توفير التعليم لأبنائها، وتقديم الخدمات الصحية لهم، وفرض سيطرتها على أرضها، وبهذا تقوم بتصدير موجات من الأمراض، من إرهاب الجهاديين إلى الأسلحة النووية إلى أنفلونزا الطيور. وليس من المفاجئ أن إدوارد وأوباما يريدان زيادة المساعدات الخارجية. إنهما يعتقدان بأن العالم الفقير يهدد الولايات المتحدة أكثر من العالم الغني.

هناك الكثير مما يعزز هذه النظرة، فهي تحدد بدقة حقيقة الجهاديين. لا يأتي أسلوب القاعدة في الإرهاب من قوة الدولة بل من انهيارها. (قارن العراق قبل صدام وبعده). إن مفهوم الدولة الضعيفة يجعل السياسة الخارجية للديمقراطيين أكثر اتساعا من سياسة الجمهوريين. وعلى أعقاب خطابات بوش خلال الأشهر الماضية، حاول ميت رومني ورودي غويليان بشكل غير مقنع تركيز السياسة الخارجية الأمريكية على الحرب على الإرهاب. بينما تقدم فكرة الدول الضعيفة، في المقابل، للديمقراطيين توجها لا يتركز فقط على العالم الإسلامي.

لكن ذلك غير كاف. إن تنافس القوى الكبيرة ليس حقيقة مصطنعة. سوف يحتاج الرئيس القادم لساعات طويلة للتعامل مع تأثير الصين المتزايد في آسيا، والتي تهدد بتهميش الولايات المتحدة وحليفها المقرب اليابان. وسيكون أمام الرئيس القادم، رجلا كان أم امرأة، مواجهة مشكلة كبيرة مع روسيا، التي على الرغم من كونها ضعيفة داخليا، فإنها ترمي بوزنها في الخارج، مستخدمة تأثيرها في دول الاتحاد السوفييتي السابق وصادراتها من الغاز للضغط على أوروبا. سيتطلب التعامل مع موسكو وبكين قرارات استراتيجية وليس نشاطات إنسانية. وإن تجنب الديمقراطيون ذلك فإنهم يخاطرون بتشويه التصور عن أنهم يعتبرون السياسة الخارجية كخدمة اجتماعية تقوم على حسابات دقيقة للمصالح الوطنية.

هناك مشكلة أخرى. حتى أفضل الخطط الأمريكية لمواجهة الأخطار العالمية لن تنجح ما لم تكن القوى الصاعدة مثل الصين والهند جزءا من الحل. لا يمكن للولايات المتحدة ولا تمتلك المصداقية لتصميم وفرض القواعد على الدول الأخرى حول كيفية التعامل مع الخدمات الصحية، ومنع انتشار الأسلحة، وقضايا المناخ، أو أي شيء آخر دون مساعدة الدول الأخرى الكبيرة. إن جهود الولايات المتحدة لمساعدة الدول الضعيفة سيعتمد بشكل كبير على كيفية تعاونها مع الدول القوية.

في الأشهر القادمة، سيقدم المرشحون الديمقراطيون خطابات أكثر حول السياسة الخارجية. وستحدد الطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة مع هذه القوى مدى الخطورة التي سيكون عليها العالم في السنوات القادمة، وفيما إذا كانت الولايات المتحدة ستبقى القوى الكبرى الوحيدة في العالم. ويتطلب هذه أكثر من عبارة تطلق دون تفكير.

*بينارت عضو رفيع في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.