ينعي الاستاذ خلف الجراد (جريدة الثورة 18 /6 /007 )حالة المجتمعات العربية في اندفاعتها تجاه السحر والشعوذة والخرافة عبر اجهزة الاعلام الحداثية، كما يتأسف على ضياع قيم التنوير والعلم في هذه المجتمعات ولجوئها الى قنوات التضليل، كما أنه يثمن دور الملتقى العالمي للعلماء المسلمين برفضه لهذه الظاهرة وادانتها ولكنه يشير في عجالة اذا لم نقل على استيحاء الى دور التربية في التخلص من هكذا مظاهر التي تتنافى والعقل.

ومع محاولة الاستاذ خلف الجراد وغيره الكثيرون للتنبيه من هكذا ظواهر الا انها تبدو في تصاعد مستمر ليس في صفوف الجهلاء وانما بين عامة المتعلمين من خلال وسائل الميديا التي اقنعتنا بخصوصية فريده يتشارك في تعميمها المثقفون قبل الجهال، هذه الخصوصية المنتجة عن اقناعنا عبر ذات الميديا بعقدة اضطهاد مزمنة لدرجة ان بعضهم يربط تدمير "تدمر" من قبل الرومان بالعقل التدميري لجورج بوش، ليؤكد ان النزعة العنصرية العدائية التفوقية موجهة نحونا نحن المضطهدون تاريخيا وبلا سبب.

انها بدايات الطرق المودية الى الجهل والانغلاق، فالانغلاق ناتج عن تقييم الذات خارج معايير العصر ورؤية الآخر من خلال مصالحه هو وتفسيرها تفسيرا تجهيليا يصب حتما في التكاره والعداء مع اغفال شديد للمارسة مصالحنا ، هذه البدايات اذا لم تجد من يوقفها عقليا فانها سوف تستمر لتصل الى التفاصيل وتفاصيل التفاصيل ومنها بكل تأكيد قنوات الشعوذة والفتاوي المضللة.
هذه البدايات يتشارك بها المثقفون التوعويون مع مثقفي التجهيل متفقين على سلامة المنطلق والاساس ، حيث لا يختلفون على عقدة الاضطهاد المشار اليها ولا على اسبابها ولا على تفسير نتائجها ولكن عندما تأت ساعة الحساب فأول الضحايا هم هؤلاء المثقفون التوعويون .

في تاريخنا المعاصر او في الماضي القريب لم يكن لهؤلاء التجهيليون من اماكن او من دعاوي لا يمكن الرد عليها ، ولكن مع زيادة ثقافة المثقفين التوعويين بالتوازي معا انفجار الميديا ظهر ان التجهيليون قادرون على استخدامها بطريقة اجدى لهم من المثقفين التوعويين ( ولا نقول التنويريين ) لا بل متكئين عليهم على اساس الاتفاق على الاسس وهي باختصار عقدة الاضطهاد التاريخانية والتي نرى أثارها أو فعلها في حنايا كافة المنتجات الثقافية ابتدأ من المقالة الصحفية وانتهاء بآخر وسيلة من وسائل نقل المعلومة الحديثة الانترنت والتلفزة .

ان وقوف المثقفين التوعويين على الحبل لن يفيد قضية التنوير بشيىء لا بل سيزيدها عمقا وارتكاسا نحو الفراغ الموضوعي الذي يشغله التجهيليون اما بشعوذاتهم او رصاصهم وسكاكينهم ، فاذا كانت الامور بخواتيمها فان رؤية البدايات ضرورية لفهم هذه الخواتيم.