أعلن الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى امس، انه سيغادر بيروت «من دون التوصل الى توافق» بين الاكثرية النيابية والمعارضة التي يقودها «حزب الله» على استئناف الحوار الداخلي.
وقال موسى في مؤتمر صحافي عقده في فندق «فينيسيا» قبيل مغادرته بيروت في ختام مهمة استغرقت اربعة ايام «ثمة افكار وصياغات طرحت اليوم (أمس)ما أخر الوصول الى اتفاق رسمي في شأن استئناف الحوار».اضاف: «كنا نود ان ننهي الاتفاق اليوم (...) وسنظل على استعداد للعودة عندما يكون الكل مستعدا للتعامل بايجابية»، رافضا تحديد الطرف الذي حالت مواقفه دون انجاز الاتفاق.
واياً كانت النتائج العلنية للوساطة العربية التي اعلنها مساء الامين العام للجامعة العربية عقب انتهاء زيارته ووفد الجامعة الى بيروت امس، فان المعطيات الفعلية للازمة ستحتم عدم نعي هذه الوساطة وعدم ايهام الرأي العام بتحقيقها نتائج خارقة.
ذهب بعض المطلعين الى القول ان ثمة حاجة حقيقية الى ابقاء هذه الوساطة حيّة ومستمرة علها تبقى على حد ادنى من هدنة سياسية لا تندفع معها الامور نحو متاهة استعادة «سيناريو غزة» في لبنان. سواء من طريق تنظيم حوار مباشر بين فريقي النزاع او من طريق تولي الجامعة العربية باستمرار دور ادارة حوار غير مباشر بينهما.
فصراع الاولويات بلغ ذروته عبر وساطة موسى اذ اصطدم مجدداً باولوية المعارضة التي تشترط تشكيل حكومة اتحاد وطني كبند حصري وحيد لاي حوار ولاي حل، فيما تشترط الغالبية في المقابل الحوار حول سلة متكاملة تشمل الحكومة والانتخابات الرئاسية والوضع الامني بكل تعقيداته وتطوراته بما فيها بل في مقدمها الوضع على الحدود اللبنانية - السورية. هذا في الظاهر الداخلي للازمة اما في بعدها الاقليمي والدولي الاوسع فيبدو واضحاً ان فرنسا باتت على الارجح على مقربة من ان تصبح عاملاً اكثر تأثيراً على مجريات الوضع اللبناني من الجامعة العربية ووساطتها. ذلك ان الجولة التي قام بها الموفد الفرنسي جان كلود كوسران على ايران والمغرب وبيروت في الاسبوعين الماضيين، جعلت باريس تقارب مكامن مهمة ومؤثرة عبر البوابتين الايرانية والسعودية ما سهل لها التحضير للطاولة المستديرة التي ستستضيفها في منتصف يوليو وتضم ممثلين للزعماء اللبنانيين.
واللقاءات التي عقدت وستعقد في باريس بين الخميس الماضي والثلاثاء المقبل تدل على ان باريس تريد اكمال ازالة كل التحفظات «الخطرة» والالغام المتوقعة من امام مبادرتها. فهي حققت تفاهماً لافتاً مع الجانب السعودي على الاقرار بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان قبل الاستحقاق الرئاسي. كما حققت مع السعودية تفاهماً على جعل دور البطريركية المارونية محورياً في اختيار رئيس جديد توافقي للبلاد. وتبقى امام باريس عقبة لا يستهان بها بل جوهرية وهي الولايات المتحدة التي لا تزال تتحفظ بشدة عن موضوع الحكومة. وستسعى باريس الى طمأنة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي تزور فرنسا الاثنين الى استمرار دعمها لحكومة الرئيس السنيورة في حين سيكون السنيورة نفسه في باريس استعداداً للقاء الرئيس ساركوزي تدليلاً على هذا الدعم. وبعد هذه الجولة سيمكن تكوين صورة تقريبية عن مدى الزخم الذي سيتخذه الدور الفرنسي ومدى تأثيره تالياً على موقف المعارضة ومن خلفها سورية وايران بطبيعة الحال. وثمة من يعتقد ان الوساطتين العربية والفرنسية محكومتان باهداف وتطلعات متواضعة جداً تتمثل في منع الانزلاق نحو الاسوأ في افضل احوال نجاح هاتين الوساطتين، بمعنى اقناع الاطراف الاقليمية الفاعلة وعبرها الاطراف المحلية بالحفاظ على الستتيكو الراهن ان لم يكن هناك امكانات للتسوية ومحاولة احداث اختراقات جزئية سياسية على طريق الاستحقاق الرئاسي عله يكون مفتاح الحل. ورغم واقعية هذه الاهداف فان اوساطاً عدة تخشى ان يكون لبنان معرضاً في المرحلة المقبلة لمزيد من المفاجآت الامنية لان ارتباط الوضع فيه بالغليان الاقليمي اضحى اشد خطورة وقوة من اي وساطة.
واستهلّ موسى لقاءاته امس غداة اجتماعه المطول مع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله ثم «لقاء الفجر» مع النائب سعد الحريري، بزيارة الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي حيث قال رداً على سؤال حول الموقف الاميركي المتحفظ واللقاء المقرر بين الرئيس فؤاد السنيورة ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في باريس الاسبوع المقبل: «هذه اللقاءات مفيدة، لكن مهما كانت قوة ونفوذ أي دولة، فان مصير لبنان يتحدد في جانب كبير منه من أبناء لبنان أنفسهم، إذا قرروا ما هو التوجه المناسب لوطنهم وعملوا على هذا الاساس».
ثم زار موسى والوفد العربي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في السرايا، ولدى مغادرته سئل الأمين العام للجامعة العربية هل السيد نصر الله مع حكومة وحدة وطنية فقط؟ فأجاب: «لا، الجميع مع حكومة وحدة وطنية و plus (زائد).
وظهرا زار موسى والوفد المرافق النائب الحريري في قريطم حيث تم خلال الاجتماع عرض لنتائج اللقاءات التي اجراها الوفد مع عدد من القيادات السياسية اللبنانية، واستكمل النقاش على مائدة غداء اقامها النائب الحريري على شرف الوفد.
ومن قريطم توجّه الى مكان رفض تحديده في إطار «مهمة» لم يحددها قبل ان يعود الى قريطم ويعقد مؤتمرا صحافيا في ختام جولته.
وفي ما عكس «العقدة» التي أعادت مساعي موسى الى «نقطة الصفر»، نقل زوار رئيس الحكومة عنه امس تأكيده «الحرص على الحوار وعلى حكومة الوحدة الوطنية بعد وضع برنامج متكامل وشامل على مستوى لبنان»، في حين كشفت مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب ان بري ابلغ الى موسى والوفد العربي في اللقاء الطويل الذي عقد بعد ظهر اول من امس واستمر نحو ثلاث ساعات ونصف ساعة، جواباً باسم اطراف المعارضة هو ان «موقفنا محصور بقيام حكومة الوحدة الوطنية ولا شيء آخر على ان نبحث فيها كل الأمور المطروحة». واوضحت ان موسى كان اقترح على بري الأربعاء عقد حوار وطني بين فريقي الغالبية والمعارضة على مستوى شخصيات الصف الثاني، على ان يتضمن جدول اعمال الحوار الحكومة والامن ورئاسة الجمهورية، وان بري رد بأنه سيدرس هذا الاقتراح مع «كتلة التحرير والتنمية» وقيادة حركة «امل» وقوى المعارضة. وافاده موسى انه سيستكمل مهمته عاكساً له ان «الجو ايجابي لدى فريق الغالبية». وحين عاد موسى والوفد الخميس الى عين التينة فاتحه بري بما ورد في بعض الصحف من انه اقترح فكرة الحوار بين شخصيات الصف الثاني، في حين انه لم يكن هو من طرحها.

مصادر
الرأي العام (الكويت)