ربما كان التنويريون في عالمنا العربي هم من أكثر أنواع المثقفين عرضة للخذلان ،فما أن تقع مواجهاتهم مع السائد حتى ينفض الجمع من حولهم ويتركون لمعاركهم الخاصة وكأنهم نبت شيطاني ليس لأحد من مسؤولية تجاههم كأعضاء متميزون في المجتمع ، فهول التصدي للسائد يخيف من يدعي ان لا ناقة له و جمل في اثارة عش الدبابير وكأن الثقافة شأن ترفيهي أختياري ننكره عند الوقيعة وليذهب المجتمع الى الجحيم طالما احتار مصيره بيده .
كم يوجد في هذا الموقف / النكران من اهانة للذات المجتمعية والتي تنمو وترتقي وتتميز بسبب موضوعي وحيد هو الابداع ، والابداع هو الاتيان بما لم يكن موجودا وهذه هي ميزة العقل البشري وهذا هو فحوى التقدم وارتياد اماكن ثقافية لم تكن موجودة . ولعل هذا الخذلان للآبداع جعل من الثقافة مسألة خيرية في مسار ترويضها وجعلها على التكرار وليس على الابتكار .

واليوم ودمشق عاصمة ثقافية على الابواب ،هل يمكننا القول بأنصاف المخذولين من المثقفين التنويريين ؟ من امثال الكواكبي والزهراوي وطاهر الجزائري وسامي الكيالي ، وهل انصافهم هم بذاتهم عن طريق التكريم والاستعادة يكفي لنقول اننا تنويريين من احفاد هؤلاء ؟

اعتقد ان الخذلان هو السبب الاهم في قتل هؤلاء وهم في قبورهم فلا التكريم ينفع ولا القراءات الاستعادية تنفع ، المهم هو ممارسة التنوير ذاته وعدم ترك التنويريين المحدثين في مواجهاتهم كأفراد ضالين عن امساك تكتيكات المواجهة.
التنويريون موجودون بين ظهرانينا والمهم عدم التنكر لهم باستخدام مبررات عقلوية تعزلهم في كتبهم وتنظيراتهم في انتظار الاجيال التي لم تولد بعد ، لأنه واسترتيجيا لن تولد هذه الاجيال بل سوف تكرر ذاتها استنساخا متهافتا .

في دمشق عاصمة ثقافية فرصة لممارسة التنوير وانصافه لأن الثقافة حاجة موضوعية وليس مجرد معلومات تفيد المرء وتمتعه ، انها انحياز للمستقبل بما يعنيه وجودنا نحن على سطح هذه الكرة القرية ، ربما كانت دمشق المحطة التي سوف يستأنف منها قطار التنوير رحلته .