المتتبع لما يدور من أحداث في منطقة الشرق الأوسط منذ أن دخلت قوات الاحتلال الأمريكية وحلفاؤها إلى العراق وحتى هذه اللحظة، يصاب بالذهول لتسارع الأحداث التي أقل ما يمكن وصفها بأنها أحداث تصنعها إدارة فقدت عقلها، ونصبت نفسها قائداً ومخططاً ومبرمجاً لمستقبل منطقة بأسرها، إن لم نقل العالم، ومنفذاً لمجموعة من الجرائم بحق سكان هذه المنطقة بعد أن أطلقت على جرائمها تلك اسم الخطط التنفيذية أو التكتيك على الأرض... إلى ما هنالك من تسميات لا تمت للعقل بصلة وإن كانت تتعلق بجانب عقلي فهو الجانب الإجرامي من عقل رجل الكاوبوي...

فعمليات القتل والتدمير والانفجارات التي تهز العراق يومياً لإشعال الفتنة الطائفية فيه بين الشيعة والسنة باتت واضحة المعالم، وبدا جلياً الدوران الأمريكي والإسرائيلي، حيث تعيث مخابرات الدولتين على الساحة العراقية كما تشاء، وتتنقل من العراق إلى لبنان وبالعكس، كلما ضاق الخناق حولها في منطقة ما بهدف نقل الأزمة من مكان إلى آخر وبالتبادل بين العراق ولبنان ثم غزة والضفة الغربية..

وبكل صفاقة، ماتزال الولايات المتحدة الأمريكية مصممة على إعادة بناء مستقبل سكان المنطقة من وجهة نظر إدارتها وعبر اصطناع الفوضى فيها مستغلة أطرافاً على حساب أطراف أخرى، وهي بالنهاية لا يمكن أن تستكين إلى طرف دون آخر، فالهدف كما أعلن عنه هو تحقيق (الفوضى الخلاقة) التي ستقسم المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية صغيرة لا حول لها ولا قوة تقودها إسرائيل كونها ستتحول حسب المخطط (الخلاق) إلى دولة عظمى في المنطقة، ولعل ما صرحت به (كونداليسا رايس) في حرب تموز الماضي بأن الحرب (الإسرائيلية) على لبنان هي (مخاض لخلق شرق أوسط جديد..).

أمام كل ما يحصل ألا يحق لنا أن نسأل الشعب الأمريكي فيما لو أن دولة ما في العالم أقامت تحالفاً عسكرياً، وقررت تحديد طرق عيش الشعب الأمريكي وتغيير تقسيماته السياسية والإدارية، فقامت بهجوم على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، واعتبرت هجومها مخاضاً لولايات متحدة جديدة، وقامت بزرع الفتنة بين مكونات الشعب الأمريكي، ودعت إلى تقسيم البلد وتحويله إلى دويلات طائفية وعرقية وبمفهوم فيدرالي أكثر تطوراً (حسب وجهة نظر الدولة الغازية)، واستنتجت أنه من الأفضل للشعب الأمريكي أن تعاد تقسيماته الإدارية والسياسية، بناء على دستور جديد، وإحداث دولة لكل من السود واليهود والإسلام والمسيحيين والهنود الحمر والأمريكيين من أصول لاتينية، وآسيوية وإنكليزية، واسكتلندية، وإيطالية، ... الخ، وذلك بهدف نشر الديمقراطية الحقيقية وتخليص الأمريكيين من الطغمة الحاكمة المفروضة عليهم منذ العام 2001 بقرار من محكمة يتم تعيين معظم أعضائها من قبل (بوش الأب) إضافة إلى التخفيف من معدلات الجريمة وضبط طرق المخدرات والتخفيف من النسبة العالية للسرقات والاختلاس الذي يتعرض له الشعب الأمريكي، ومنع شركة (مايكروسوفت) من احتكار أنظمة التشغيل في العالم وتخليص البلد من خطر استغلال الشركات الاحتكارية العملاقية، وفساد الشركات الأخرى مثل (إنرون، وهالي، وبيرتون..) وإعادة توزيع النفط الأمريكي بالتساوي عوضاً عن سرقته من قبل الشركات المتعددة الجنسيات.. وأخيراً وليس آخراً محاكمة جورج بوش وأركان نظامه وإعدامهم (ربما) وطبع صورهم على أحجار الدومينو وتخليص الأمريكيين من تسلط هذه الإدارة على مقدراتهم...
ما رأي الشعب الأمريكي؟ هل سيتساءل الغازون بعدها، لماذا يكرهنا الأمريكيون؟!