" نافذة فرص، يتوجب استغلالها بحذر ودقة "، بهذه الكلمات وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت خلال جلسة الحكومة الاسرائيلية صباح اليوم الاحد التطورات الأخيرة في الساحة الفلسطينية والتي تمثلت في سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، ورد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بحل حكومة الوحدة برئاسة اسماعيل هنية وتشكيل حكومة أخرى برئاسة سلام فياض. وخلال حديثه أمام الوزراء حدد أولمرت هدفين استراتيجيين لإسرائيل يتوجب عليها السعي لتحقيقهما بكل قوة واصرار، وهما: قيام أبو مازن وأجهزته الأمنية بلعب دور مركزي في مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بشكل يقلص الحاجة الى تدخل الجيش الاسرائيلي، الى جانب الحرص على نزع الشرعية عن حكومة حركة حماس في قطاع غزة بكل قوة.

لا أمل في التسوية

لكن أولمرت لم يجد في التطورات الأخيرة فرصة حقيقية للتقدم في مسار التسوية لحل القضية الفلسطينية. ويأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة " هآرتس " في عددها الصادر اليوم الأحد أن اولمرت رفض خلال زيارته لواشنطن الاسبوع الماضي اقتراحاً تقدمت به وزيرة الخارجية الامريكية كوندليزا رايس يقضي بالتوصل لاتفاقية " اطار " للحل الدائم، دون أن توضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ. وكما اشارت الصحيفة، فقد بررت رايس عرضها هذا بالقول ان مجرد تحقيق اتفاق مبدئي كهذا سيراه ابو مازن ورجاله " افقا سياسيا "، وأملا، فيتشجعون لمكافحة حركات المقاومة. أولمرت – وكما ذكرت الصحيفة – تذرع بأنه يرفض هذا العرض لأن ابو مازن ضعيف. لكن الأمر الذي يكاد يكون محل اجماع بين الكتاب والمعلقين الإسرائيليين هو أن اولمرت غير مستعد لاحراز أي تقدم في العملية السياسية بمعزل عن طبيعة الشريك الفلسطيني. وكما يكرر دائما حنان كريستال، معلق الشؤون الحزبية في الإذاعة والتلفزيون الاسرائيلي باللغة العبرية، فأنه " لو قام ابو مازن بتقديم رؤوس قادة حماس والجهاد الاسلامي لأولمرت على طبق من فضة، فأن الأخيرة غير قادر على التقدم خطوة حقيقية واحدة في اتجاه التوصل لتسوية القضية الفلسطينية ". ويشير كريستال الى ما يشير اليه جميع المعلقين، وهو التقرير النهائي للجنة " فينوغراد " التي حققت في فشل الحكومة والجيش في الحرب الاخيرة على لبنان الذي سيصدر في غضون شهر، وهو التقرير الذي من المتوقع أن يأمر اولمرت بالاستقالة من منصبه. وفي حال تحقق الأمر، فأن حكومة اولمرت سينفرط عقدها، وبالتالي ستتوجه اسرائيل لانتخابات تشريعية جديدة. من هنا فأن اولمرت يدرك أن ليس لديه تفويض سياسي لاحراز تقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين. لكن عكيفا الدار المعلق السياسي في صحيفة " هارتس "، يرى أنه حتى لو حدثت معجزة وظل اولمرت في الحكم، فأنه لا امل في احراز أي تقدم حقيقي على صعيد التسوية السياسية للصراع، مشيراً لى أن أقصى ما يمكن أن " تتنازل " عنه حكومة اولمرت لا يمكن أن يقبل به أي اكثر الأطراف الفلسطينية مرونة.

مال لابو مازن مقابل ضرب المقاومة

فقط يكفي المرء أن يستمع لمجمل الحوار الذي دار بين وزراء الحكومة الاسرائيلية ليدرك اهداف اسرائيل من عناق ابو مازن. وزير الاستيعاب والهجرة زئيف بويم قال أنه يتوجب على ابو مازن من أجل أن يحصل على عوائد الضرائب أن يعلن حرب لا هوادة فيها ضد جميع حركات المقاومة الفلسطينية، معتبراً أنه يتوجب ربط المساعدات التي تقدم له بمدى قدرته على الوفاء بهذا الشرط. من ناحيته دعا وزير الصناعة والتجارة الحاخام ايلي يشاي الى تحويل عوائد الضرائب لابو مازن على دفعات بحيث لا يتم تحويل أي دفعة الا بعد أن يتم التأكد من أن قواته الأمنية قامت بإنجازات على صعيد مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية. ايهود اولمرت طمأن وزرائه قائلاً أنه سيعرض خلال قمة شرم الشيخ موقفاً صارماً يقوم على أن حكومته ستكون مستعدة للتعاون مع ابو مازن الى ابعد حد، بشرط اثبات قدرته على محاربة حركات المقاومة الفلسطينية، الى جانب عدم عودته للحوار مع حركة حماس.

تجفيف حماس

افي ديختر وزير الامن الداخلي الاسرائيلي يؤكد أن أكبر رهان تعلقه اسرائيل على ابو مازن والدول العربية " المعتدلة " يكمن في عدم السماح بنجاح تجربة حركة حماس في غزة. وعلى الرغم من أن الناطقين باسم حكومة الطوارئ الفلسطينية ينفون، إلا أن جميع وسائل الاعلام الاسرائيلية تنقل عن مصادر حكومية اسرائيلية " موثوقة " تأكيدها أن اسرائيل توصلت مع ابو مازن لتفاهم يقضي بإيجاد بيئتين اقتصاديتين مختلفتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فمن ناحية العمل على تحقيق ازدهار اقتصادي في الضفة، وتوجيه الدعم المالي هناك لاقامة مشاريع بنى تحتية لحل مشكلة البطالة، في المقابل مواصلة الضغط الاقتصادي على القطاع حتى يدرك الفلسطينيون هناك أن شروط حياتهم ستصبح أكثر صعوبة بوجود حركة حماس في الحكم. ويأمل وزير الاسكان الاسرائيلي مئير شطريت أن تلعب مصر تحديداً دوراً اساسياً في محاصرة قطاع غزة من أجل افشال تجربة حماس هناك، معتبراً خلال مداولات الحكومة صباح اليوم أن دور مصر حاسم في " خنق " حماس في غزة، وافشال تجربتها. من ناحية ثانية تراهن اسرائيل كثيراً على دور ابو مازن كمصدر للصلاحيات، والقادر على تحجيم حركة حماس من ناحية قانونية. وفي هذا الاطار اشادت اسرائيل بقرار ابو مازن بحل " كتائب عز الدين القسام "، الجناح العسكري لحركة حماس، والقوة التنفيذية، الى جانب الغاء تصاريح جميع المؤسسات المدنية التابعة لحركة حماس في الضفة الغربية. رئيس المخابرات الاسرائيلية الداخلية " الشاباك " امتدح خلال اجتماع امني مغلق مع اولمرت الخميس الماضي هذه القرارات معتبراً أنها تساهم في " تحفيف " مصادر القوة لحركة حماس.

لكن هناك العديد من المعلقين في اسرائيل من يشكك في رهانات اسرائيل على محاولة تجفيف حماس، والرهانات على ابو مازن. فالكاتب الاسرائيلي جدعون ليفي يكتب في صحيفة " هارتس " أن على اسرائيل والغرب أن يكّفا عن مقاطعة غزة وحكومة حماس لأن التجربة دللت على أن اهالي غزة يزدادون التصاقاً بحماس كلما زادت الضغوط عليهم.