لا أدري ما الرابط بين الامبراطورة كاترين الملكة الروسية الشهيرة وبين الدرامة السورية، كما لا أدري ما العلاقة بين ستالين والحرب العالمية الثانية من جهة وبين هذه الدرامة من جهة أخرى، ولكن ناقدا فنيا في احدى صحفنا المحلية ربطهما بفكرة الاستنهاض بناء على معطى تاريخيا ما، فستالين استنهض الأمة الروسية بذكر الملكة كاترين في أحد خطاباته فأدى ذلك الى الانتصار في الحرب العالمية الثانية، ونحن لدينا تاريخ مماثل (بل أجود) ولكننا لا نستنهض احد به! يا للعجب العجاب مع أن هذا التاريخ لما يزل بكرا لم يمس، ومن المؤكد حسب رأيه أن المسلسل التاريخ في صدارة اهتمام عدد كبير من المشاهدين (كم واحد؟) والذي يطلق النار على الماضي يطلق عليه المستقبل مدافعه، وكتاب الدراما التاريخية سقطوافي بحر اهوائهم الخ الخ

لم يجرب الاستاذ الناقد معيارا نقديا نصل عبره الى نتيجة او موقف ، ولم يكتب عن الدرامة التاريخية التلفزيونية كفن أو كفعل ثقافي، انما طرح ان هناك امكانية لأستنهاض الامة عبر الدرامة التاريخية على مثال ستالين وكاترين مع فارق المقارنة بين تاريخين من ناحية الجدارة . ما يطرح سؤلا : هل نحن فعلا بحاجة الى التاريخ في هذه الآونة التاريخية من عمر شعوبنا ؟، وهل هذه الحاجة سوف تسدد عبر الدرامة التاريخية ؟ أي تاريخ نريد ؟ المدرسي المعفى من الاسئلة العلمية؟ أم التاريخ الخاضع للبحث والاكتشاف والمقارنة ؟ أم التاريخ بمعناه العام الذي يجب ان يكون مجيدا ؟ ما هي النظرة التي يتوجب علينا رؤيته من خلالها ؟ أهي نظرة نقدية (وهي غير الانتقادية) تفكيكية يتدخل فيها العقل ؟ أم مجرد قراءة محايدة لأقرب مرجع أو مصدر تاريخي ؟ ماذا نريد من التاريخ والتاريخي؟

هل فعلا أن الدرامة التلفزيونية التاريخية قادرة على الاستنهاض ؟ وأي نوع من الاستنهاض هذا ؟ هل هو استنهاض قومي بما تعنيه القومية من فعل حداثي بناء على وجودها وتعريفها الحداثيين ؟ أم هو استنهاض عاطفي وربما قبلي او عصابي أم غيره ؟ هل التاريخ اجير عند المعاصرين ليقولبوه بناء على حاجاتهم الاستنهاضية ؟ أم هو علم وبحث في سيرورات الامم ؟

عند مقاربتنا للحكي عن المسلسل التاريخي نقديا او توعويا او ارشاديا او اعلانيا ، علينا التحلي بوضوح الرؤية تجاه المعيار الذي تنتاول عبره الفعل الفني ، فالتاريخ خارج النقد والتفكيك لا يستطيع ان يقول شيئا لا علميا ولا فنيا ، وامكانيات الاستنهاض التي فيه هي امكانيات عقلية ثقافية تحتاج الى العلم في تفعيلها والا تحول الى هوسه عمياء عجفاء يمكن اطلاق النار عليه كخيل اصيلة ولكنها معذبة ومعذبة ولا ضرورة لوجودها ، والمستقبل يطلق مدافعه على الذي رأى وقرأ تاريخه بهكذا نوع من النظرات غير العلمية حيث البحث عن قراءة واحدة موحدة للتاريخ لنقع في حفرة التعصب والغاء الآخر المختلف .

التاريخ موضوع شائك في رؤية كلاسيكية قرائية تسلوية تراكم المعلومات للمباهاة ، تجاوزتها كل علوم الحداثة الكتعلقة بالتاريخ ومنذ زمن طويل ، والدرامة التلفزيونية كأداة حداثية يجب أن تكون مرافقة لعلوم الحداثة وليس للرؤية الساذجة للتاريخ .