إنه لخطأ سياسي واضح أن تواصل كل من واشنطن وتل أبيب، وكذلك بعض الدول الإقليمية، مقاطعتها وفرضها للحصار على قطاع غزة. ويتعين على الدول العربية، التدخل بقوة لمنع استمرار المقاطعة والحصار المفروضين. وعلى هذه الدول أيضاً بذل كل ما بوسعها لتبني سياسة الانخراط في التفاهم بين الفصائل الفلسطينية. يذكر أن الرئيس المصري حسني مبارك، ينتظر أن يستضيف في شرم الشيخ اليوم (الاثنين)، اجتماعاً يضم كلاً من العاهل الأردني الملك عبدالله، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "أبو مازن"، الذي أصبحت سلطته مقتصرة عملياً الآن على الضفة الغربية وحدها. ويتوقع أن يلي هذا اللقاء، اجتماع للرباعية الدولية،التي تضم كلاً من الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، يعقد في القدس، يوم غد الثلاثاء. وسيكرس كلا الاجتماعين للتصدي للسؤال الصعب والمثير للجدل والخلاف، حول ما يجب فعله إزاء حركة "حماس".

والمعلوم حتى الآن أن في عزم الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل، وكذلك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "أبو مازن" نبذ ومعاقبة حركة "حماس"، بصفتها تنظيماً "إرهابياً". غير أن روسيا وعدداً من دول الاتحاد الأوروبي لا توافق هذه الأطراف الثلاثة الرأي، وتثير من جانبها الكثير من الشكوك حول مدى حكمة وعقلانية استمرار المقاطعة المفروضة على قطاع غزة. وللحقيقة فإن القطاع ليس بحاجة البتة إلى المزيد من العقوبات. وعلى نقيض ذلك تماماً فهو في أمسِّ الحاجة الآن إلى المساعدات الإنسانية المكثفة العاجلة، وكذلك إلى التنمية الاقتصادية. كما يحتاج القطاع إلى مطار وميناء بحري، حتى يتم ربطه بواسطتهما مع العالم الخارجي. وما أشد حاجة القطاع كذلك إلى محطة لتحلية المياه الصالحة للشرب، وكذلك إلى محطة لتوليد الطاقة الكهربائية، بديلة عن تلك التي دمرتها عمليات القصف الإسرائيلي، إلى جانب تحريره من ربقة الاعتماد التام على إمدادات الطاقة الإسرائيلية التي يصعب التعويل عليها. ويحتاج القطاع أيضاً إلى الوسائل التي تمكنه من تصدير منتجاته المحلية من الفواكه والخضروات والورود، فضلاً عن حاجته الماسة إلى بنية تحتية داعمة للسياحة، حتى يتمكن من خلق العمالة اللازمة لخفض معدلات البطالة المرتفعة في أوساط شبابه. ونشير هنا إلى أن 65 في المئة من سكان القطاع تقل أعمارهم عن العشرين عاماً، بينما يبلغ معدل البطالة بين السكان نحو 51 في المئة. لذلك وفيما لو قدر لدول الخليج الغنية أن توجه بعض إمكانياتها المالية والسياسية لابتكار برنامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية السلمية في القطاع، فإنها تكون قد أسهمت بذلك إسهاماً مقدراً في إزالة البؤس والشعور الطاغي بالمرارة والغبن وسط أهالي القطاع، مع العلم أنها مشاعر قد تنتقل عدواها إلى المنطقة برمتها.

كما أن على المجتمع الدولي ممارسة الضغوط بما يفضي إلى إقناع إسرائيل برفع حصارها القاسي الذي تفرضه على القطاع، لاسيما وأنها ستكون أولى ضحايا الانفجار الحتمي للقطاع المحاصر.

وهناك من التقارير ما يشير إلى اعتزام إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، شن حرب واسعة النطاق على القطاع، على أمل سحق حركة "حماس"، وإعادة تسليمه مرة أخرى لقيادة "فتح" بزعامة الرئيس محمود عباس. غير أنه ليس مرجحاً البتة، أن يكتب النجاح لخطوة عسكرية طائشة كهذه. فلحركة "حماس" التي ولدت في التاسع من ديسمبر من عام 1987، أي بعد يومين فحسب من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، جذور عميقة في تربة مجتمع القطاع، وها قد بلغ عمرها العشرين عاماً الآن. وعليه، فلو أقدمت إسرائيل على شن حرب على القطاع، فإنها على الأرجح ستواجه بحركة سياسية عسكرية، لا تقل عناداً ولا عنفاً، عما واجهته في حربها الأخيرة على "حزب الله" اللبناني.

ولئن كنت قد وصفت مقاطعة قطاع غزة بخطأ السياسي، فإن ذلك لقناعتي بأن في مضاعفة الحرمان على مجتمع أسير يقارب تعداده السكاني المليون ونصف المليون نسمة، وتعيش نسبة 79 في المئة منه تحت خط الفقر، أي على دولارين اثنين فحسب في اليوم، انتهاكاً صارخاً وخطيراً للقانون الإنساني الدولي. كما تعد مضاعفة الحرمان هذه، خطأً سياسياً ذي ارتدادات وعواقب عكسية، لأن لاستمرار معاقبة القطاع، تداعياته السلبية على أنحاء أخرى من المنطقة كلها. والسبب أن هذه العقوبة قد تثير ثائرة الرأي العام الإقليمي، وقد تزيد التيار المتطرف منه تطرفاً أكثر مما هو عليه، ما يعني إمكانية حدوث ردود فعل عنيفة في الضفة الغربية وكذلك في بعض دو الجوار، إلى جانب استهداف إسرائيل نفسها. وعند الأخذ في الاعتبار بحالة الشد والتوتر التي يعانيها الشرق الأوسط الآن، فإن الواجب المقدم هو أن تتجه الجهود للحد من حالة الاحتقان هذه، بدلاً من صب المزيد من الزيت على نيرانها.

والمعلوم أن الهوس بمواجهة خطر تنظيم "القاعدة"، هو الذي يسيطر على عقل واشنطن الآن، بالنظر إلى ما يمثله هذا التنظيم من تحدٍّ جدي لها ولحلفائها، وكذلك بسبب الدعم الذي يحظى به في المناطق القبلية المنتشرة على امتداد الشريط الحدودي الفاصل بين كل من أفغانستان وباكستان، إضافة إلى توطد أقدامه حالياً في العراق، إلى جانب انتشار نشاطه وعملياته في أنحاء أخرى من العالم، بما فيها منطقة شمال إفريقيا وشبه الصحراء الإفريقية، بل وحتى في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط، القريبة من حدود حليفتها إسرائيل. غير أن الحقيقة التي لم تعها واشنطن بعد هي أن التفاهمات ذات الطابع والأهداف المحلية الوطنية، إنما هي العقبة الرئيسية أمام عمليات وأنشطة تنظيم "القاعدة" الإرهابي. ولذلك فإن السعي لزيادة التوتر، إنما هو خدمة لعين الأهداف التي يسعى تنظيم "القاعدة" لتحقيقها. وحتى هذه اللحظة، لا يبدي أي من طرفي النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني استعداداً جدياً للتفاوض السياسي حول التسوية السلمية للنزاع. وبما أن التنازلات السياسية المتوقعة من إسرائيل وحدها لا تكفي، فإن البديل العملي الوحيد الذي يبدو الآن، هو الاتفاق على إعلان هدنة طويلة الأمد بين الجانبين، وهو ما ظلت حركة "حماس"، تدعو إليه باستمرار.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)