سبقت قمة شرم الشيخ مجموعة من التصريحات حددت مسار التعامل مع الأزمة الفلسطينية، فما حدث في غزة لم يعد مسألة إقليمية فقط بعد أن تم اتهام إيران بشكل علني، بل أيضا أصبح محددا لموضوع الأمن القومي بالنسبة لمصر على أقل تقدير، وإذا كان الاقتتال الفلسطيني اتخذ شكلا جديا بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، فإن صورة السلطة الفلسطينية تبدلت بشكل كامل نتيجة ما حدث، وعلى الأخص بعد وصفه بالانقلاب، واعتماد المقاطعة السياسية مع حركة حماس. لكن المسألة لم تعد محصورة بإطار هذا الاقتتال، فنتائجه يتم سحبها إقليميا، وربما ربطها بمجمل الأحداث المتصاعدة من العراق إلى لبنان.

عمليا فإن ما سيحدث في شرم الشيخ لا يمكن قراءته على الخارطة الفلسطينية فقط، لأنه ليس معنيا بعملية التسوية، رغم وجود الإسرائيليين والفلسطينيين، فهو ينقل موضوع السلام باتجاه "دائرة" سياسية جديدة، ويعطيها وظائف أخرى، حيث اختفت الشروط الأساسية لعملية السلام، وتم استبدلها بصراع "الجغرافية – السياسية" للمنطقة. ورغم أن هذه العملية بدأت منذ فوز حماس والمقاطعة الدولية لها، أو محاولة فرض شروط عليها قبل الاعتراف بالحكومة التي شكلتها، لكنه ينتقل اليوم نحو التعامل السياسي "لما قبل السلام" ومحاولة تشكيل خارطة سياسية جديدة، ليس بالضرورة أن تتضمن شروطا مسبقة لاستمرار التفاوض حول التسوية أو إقامة الدولة الفلسطينية.

اللقاء الرباعي في شرم الشيخ ليس الأول لكنه اليوم يقوم على مساحة جديدة، فهو يجمع الطرفين "الإسرائيلي والفلسطيني" وهم مازالا دون السلام، من الاهتمام بمسائل "الأمن الإقليمي"، ويتم بذلك تجاوز كل العمليات السياسية السابقة، على علاتها، كما انه يكرس سابقة سياسية في بناء "دوائر" تضم إسرائيل وتعمل على معالجة قضايا المنطقة قبل إنهاء عملية التسوية أو تحقيق "الشرعية" الدولية.

ضمن هذه "الدوائر" يتم خلق "فصل استراتيجي" يعيد خارطة "العداء" ويسحبها شرقا نحو إيران، لكنه في النفس الوقت يمكن أن يشكل معادلة سياسية جديدة تخترق كل مجتمعات المنطقة على أساس "الأمن الإقليمي" الذي يتم التعامل معه اليوم وفق قواعد لا علاقة لها بـ"الأمن" السابق، بل يشكل تطبيقا عمليا لعمليات الفرز الحادة التي تبنتها الولايات المتحدة في عملية محاربة الإرهاب.

ضمن عملية إنشاء هذه "الدوائر" تصبح التصريحات السياسية التي تضع الصراع الفلسطيني خارج دائرة فلسطين، أو ترسم الجغرافية – السياسية وفق متاعب الولايات المتحدة في العراق، سيمفونية مملة لكنها في نفس الوقت فعالة لتجييش الرأي العام، وربما لخلق مرحلة جديدة من الفصل الحاد داخل فلسطين على شاكلة ما حدث في لبنان.