كتب الأستاذ عصام خوري عن الضجيج وآذان الجوامع ، في نشرة كلنا شركاء تاريخ 28/6/2007 ، وتطرق خلال مقالته إلى الأذى والإزعاج الذي يصيب الجميع ( أو الأغلبية كي لا أفرض رأيي على المجموع ) جراء الضجيج الذي يسببه "التنافس" بين القائمين على الجوامع والمساجد .

قد صدق الأستاذ عصام فيما ذكره ، فمن المعرف علمياً وصحياً مقدار الضرر والأذى الذي يصيب الأذن البشرية جراء الصوت العالي ، ومن المعروف كذلك ما للإسلام السياسي من تأثير يصيب الكثيرين بحالة من القهر والصمت مخافة وصمهم بالمرتدين أو الكافرين وبخاصة مع تنامي ظاهرة "مدعي التدين والدين" بين صفوف المواطنين .

ومن الملاحظ أن الكثير من هؤلاء ، يقومون بالتبرع بالأجهزة الصوتية ذات القدرات العالية ومكبرات الصوت الملائمة لها ، لعوامل عدة ما من موجب للخوض فيها الآن رغم أن غالبيتها باعتقادي خارجة عن نطاق صحيح الدين . ومن المؤلم أن الكثير من المواطنين يعرفون تمام المعرفة ماهيّة وخلفية وتاريخ العديد من اولئك "المتبرعين" لكنهم لا يتكلمون ولا يدلون برأيهم الصحيح من أن "التوبة والغفران" لا يستدعيان إلحاق الضرر والأذى بجموع المؤمنين الصابرين الساكتين ، ذلك رغم معرفتهم أن "الساكت عن الحق شيطان أخرس" ... فقد يكون بينهم من أمضى جل عمره في مصاحبة "المنكر" بأنواعه – لا المشروبات الروحية فقط - ، ومنهم من يكون قد تخلى عن ممارسة ما هو منصوص على تحريمه في القرآن الكريم واستمر في ما هو غير منصوص عنه – والأمثلة باعتقادي كثيرة - .

لا اريد الخوض هنا فيما يعرفه الكثير عن الآذان ، وموجباته ، وكيفيته .. ولا أريد الخوض فيما تعتبره المذاهب الدينية المختلفة حول الآذان .... ولا أريد تلقين أو تعليم الغير ما يتوجب هم بأنفسهم أن يكونوا عالمين به ويعملون بموجبه ... إنما أؤكد هنا على أن الآية الأولى من السورة الأولى من القرآن الكريم تحض بصراحة على الإدراك والفهم والتعلم ، لا بمعنى ما يورده البعض من أنه العلم في الدين فقط ، والإدراك يعني التطور ، والتطور يعني المعرفة ، والمعرفة تعني الاستفادة من كل العلوم التي تصب في مصلحة وخير الإنسان التي تطورت بمسير الزمن .... وهي بصراحة لا تعني أن يكون استثمارها في غير ما هو لمصلحة وخير الإنسان .

فعندما توضع مجموعة من مكبرات الصوت الضخمة على قمة مئذنة مسجد لا يتعدى ارتفاعها إثنا عشر متراً عن سطح الأرض ، وعندما يتم رفع الآذان بواسطتها بعد دمج الصوت بجهاز "الصدى الصوتي" وبالدرجة القصوى من درجات مفاتيح الصوت ، فإنها بذلك تصدر ضجيجاً يتجاوز بأضعاف مضاعفة الحد المسموح به والذي لا يؤذي الإنسان ، وكأن الهدف هو إيصال الصوت حتى إلى السموات ... إنها بذلك ومن يستعملها ومن تبرع بها ومن قبل بتركيبها ومن هو ساكت على الضرر والأذى الصادر عنها ، إنما يسبب الأذى الجسيم لغيره وللمجموع ، أي أنه بذلك ينافق ويزاود أمام الله تعالى ...

قد لا يصدق البعض إن ذكرت أنه وعلى بعد مسافة تقارب العشرين متراً من هذا المسجد ، أصدر جهاز الإنذار من السرقة في إحدى السيارات المتوقفة أصوات التنبيه وإشارتها المرافقة – إشعال وإطفاء الأضواء – عند تصاعد أصوات الآذان من المسجد المذكور ، وأن الأبواب والنوافذ لا تستطيع الحد من تلك الطبقة الصوتية المرعبة إلا بالنذر اليسير .

لنعرج قليلاً إلى الآذان وموجباته ، وأوقاته وترابطها مع النظام الحياتي اليومي الذي كان في تلك الأيام ، ولنعرج قليلاً إلى الوقت والزمن ، ودراسته وتنظيمه ، والساعة وتقسيماتها وتناسبها مع أوقات اليوم بجميع فصول السنة ، ولنعرج كذلك إلى العلوم والحضارة والتطور الإنساني والفكري ، وإلى استخدام الأدوات والآلات الحضارية التي اخترعها الإنسان لمصلحته من سيارة وكهرباء واجهزة هاتف "خليوية" إلى ما هنالك من اختراعات ... ثم لنعرج قليلاً على الإنسان وعلاقته بالحياة والدين ، فالانسان المؤمن يؤدي واجبه الإيماني أمام الله سبحانه وله وحده فقط ، وليس بحاجة لمطلق إنسان يراه يؤدي هذا الواجب ليكون شاهداً له أمام الله ، كما أنه – المؤمن - يعلم تماماً مواعيد الصلوات اليومية الخمس ويعلم تماماً أن الله وحده صاحب القرار النهائي عن إيمانه أو عدمه وأنه سبحانه وحده فقط من يعلم من هو المؤمن الحقيقي عن المنافق .

الوضوع ليس بالتنافس والمزاودة على بعضنا البعض وأمام بعضنا البعض ، وانتبهوا أيها السادة ، فإن استمر الوضع على ما هو عليه فقد يأتينا يوم نجد فيه المكاتب الحكومية برمتها فارغة بسبب توجه الكادر الوظيفي برمته إلى الصلاة في موعدها ، والمدارس برمتها تتوقف عن إعطاء الدروس التي يفترض أن تكون علمية والتوجه إلى "الغرف المخصصة للصلاة" في أوقات الصلوات ... وقد يأتينا يوم نجد فيه "المطاوعة" ترغمنا على إغلاق محالنا التجارية للتوجه إلى الصلاة .... وقد يأتينا يوم نجد فيه أنه من المحرمات خروج النسوة إلى الشوارع أو ركوب السيارات او التوجه إلى أماكن الاصطياف ... والإسلام السياسي أيها السادة ليس ببعيد عن ذلك وقد تكون الأمثلة لدينا أكثر من أن تحصى بأصابع اليدين سوية .

الدين ليس بالمظاهر والمزاودة أيها السادة ، إنه علاقة روحية صافية نقية ما بين الإنسان والخالق ، ما بين المؤمن والخالق ، والمؤمن الحق باعتقادي من يقف وقفة الحق ويتصرف بالطرق الواجبة كي يثبت أن الدين لله والوطن للجميع ، وأن الدين لمصلحة الإنسان وليس لإيذائه .

والله أيها السادة ، ليس بحاجة إلى من يذكره بأوقات ومواعيد الصلاة ، وليس بحاجة إلى من يعلمه بأن جموع المؤمنين متجهة إلى الصلاة ، وليس بحاجة إلى من يزاود على نفسه وعلى الغير أمامه ... ولأجله (؟) .