الاعتداء الذي استهدف الوحدة الاسبانية العاملة في القوات الدولية في جنوب لبنان وأدى الى مقتل ستة من عناصرها، ليس معزولاً كما قالت مصادر ديبلوماسية أوروبية رفيعة لـ «الحياة»، عن الازمات المتنقلة التي تشهدها الساحة المحلية بدءاً بالاعتداء الذي يشنه تنظيم «فتح الإسلام» ضد الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد، مروراً باغتيال النائب وليد عيدو ونجله، مؤكدة ان الهدف منها واحد وإن اختلفت ادوات التنفيذ وتعددت مصادرها.

وأضافت المصادر عينها ان تفجير العبوة ضد دورية تابعة للوحدة الاسبانية في بلدة الخيام الحدودية يأتي في سياق تفخيخ القرار الدولي الرقم 1701 من بعد، ويلتقي من حيث الأهداف مع إطلاق صواريخ الكاتيوشا من مثلث بلدات كفركلا – الطيبة – عديسة في المنطقة نفسها باتجاه احدى المستعمرات الاسرائيلية بغية تمرير رسالة الى المجتمع الدولي مفادها ان «يونيفيل» في خطر وان القرار المذكور لن يؤدي الى إخراج الجنوب من دائرة الصراع في المنطقة.

لكن هذه المصادر توقفت أمام التوقيت الذي اختاره مفجرو العبوة ضد الدورية الاسبانية وبالتالي المكان الذي زرعت فيه، ورأت ان هناك من يخطط لعودة التوتر الى الجنوب ليكون بمثابة ورقة احتياط يمكن الجهات التي تمسك بها ان تعد العدة لخطف الجنوب وجره الى الفوضى في حال ان ورقة «فتح الإسلام»، وكما يبدو الآن، لم تعد صالحة للاستعمال او الاستخدام ليس فقط ضد الجيش اللبناني الذي نجح في محاصرتها، وإنما لتهديد الاستقرار في المنطقة عموماً.

وبالعودة الى عامل التوقيت لا بد من الاشارة، بحسب هذه المصادر، الى ان الاعتداء على الدورية الاسبانية جاء قبل اسابيع من استبدال الوحدة الاسبانية بوحدة جديدة، وقبل حوالى الشهرين من مناقشة مجلس الأمن الدولي طلب الحكومة اللبنانية التجديد لـ «يونيفيل».

وفي هذا السياق لفتت المصادر الى ان الجهة التي خططت لاستهداف الدورية الاسبانية كانت تراهن على التداعيات السياسية والأمنية المترتبة على تفجير العبوة وإنما في شكل خاص في الداخل الاسباني ظناً منها ان حجم الإصابة سيخلق المناخ الذي يدفع بالحكومة الاسبانية الى التردد في استبدال هذه الوحدة بغيرها وبالتالي العزوف عن المشاركة في القوات الدولية، بخلاف رد الفعل الفوري لمدريد التي رفضت الخضوع للابتزاز الامني وأصرت على استمرار مشاركتها في «يونيفيل».

وأضافت المصادر ان الجهة التي اطلقت الكاتيوشا على اسرائيل هي نفسها التي ضربت الدورية الاسبانية، بمعنى الهوية السياسية للفاعلين، على رغم عدم اكتشاف هويتها الشخصية حتى الساعة. واعتبرت ان اختيار بلدة الخيام في مرجعيون كنقطة ساخنة للانقضاض على «يونيفيل» من خلال الدورية الاسبانية، لم يتم عن عبث بمقدار ما انه ناجم عن توجيه رسالة مباشرة الى قيادة «حزب الله» باعتبار ان الحزب يتواجد بكثافة في هذه المنطقة.

وتابعت المصادر عينها ان الاعتداء على الدورية الاسبانية يهدف ايضاً الى ضرب المرجعية الدولية وتهديد صدقيتها فيما يتعرض الجيش اللبناني الى حرب استنزاف مدروسة لشل قدرته على التحرك في ملاحقته الخلايا الارهابية النائمة والمتنقلة بين الشمال والبقاع. وبكلام آخر، اكدت المصادر ان هناك من يخطط لتعميم حالة من الفوضى تمتد من نهر البارد الى الجنوب مروراً بالخلايا النائمة التي تتربص بأمن لبنان وتمضي في تهديد استقراره العام، ومن شأنها ان تلتقي مع الذين يراهنون على إحداث فراغ سياسي من خلال تعذر إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها الدستوري.

وأوضحت المصادر عينها ان استهداف الدورية الاسبانية يحمل رسالتين: الاولى الى المجتمع الدولي والثانية الى «حزب الله» الذي لا يزال يمارس سياسة ضبط النفس عبر امتناعه عن الرد حتى إشعار آخر على الخروق الاسرائيلية للأجواء اللبنانية.

وتابعت ان قيادة الحزب لم تتردد في الرد على الاعتداء ضد الوحدة الاسبانية واعتبرته موجهاً ضد المقاومة، خصوصاً انه حصل في عقر دارها وشكّل رسالة تهديد حقيقية لاعادة خلط الأوراق في لبنان وإنما هذه المرة عبر بوابة الجنوب، مشيرة الى ان هناك من يخطط للعودة بالوضع الى الوراء وصولاً الى إقحام الجنوب في صراع غير معني به.

ورأت ان تقدير قيادة الحزب لخطورة المرحلة، تجلت من خلال مبادرتها الى التعاون مع «يونيفيل» والتنسيق مع حركة «أمل» لمنع تكرار ما حصل في الخيام من ناحية وللكشف عن هوية الجهة التي خططت لتفجير العبوة، لا سيما ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان أول من أعلن في أول رد فعل على ما حصل تمسكه بالقرار 1701 وضرورة تطبيقه والعمل من أجل حمايته.

وسألت المصادر عن الاسباب التي أملت على أطراف في المعارضة الإسراع في تحميل مسؤولية ما حصل في الخيام للحكومة بذريعة انها وراء انكشاف الوضع الأمني في البلد من دون ان تأتي على ذكر أي موقف من القرار 1701. وقالت ان هذه الأطراف تعاملت مع فحوى الرسالة التي أرادت ضرب دور «يونيفيل» وكأنها حادث أمني عابر ناجم عن احتكاك عادي ترتب عليه اشتباك من جانب واحد ضد القوات الدولية! لا سيما ان البعض فيها لم يتوقف عن تهديداته بالإطاحة بالحضور الدولي في الجنوب ليعود مجدداً الى الساحة لتوجيه الرسائل الاقليمية إضافة الى إقحامه في لعبة تصفية الحسابات لأغراض تتجاوز لبنان الى المنطقة في ضوء احتدام الصراع.

ولا تعزل المصادر الأوروبية ما حصل في الخيام عن التصعيد الحاصل على «خط التوتر العالي» من العراق الى مناطق نفوذ السلطة الوطنية الفلسطينية بعد سيطرة حركة المقاومة الاسلامية «حماس» على قطاع غزة، مؤكدة ايضاً ان هناك من يضغط على لبنان ظناً منه انه يستطيع تجميع أكبر عدد من الأوراق السياسية والأمنية للمفاوضة عليها مع الولايات المتحدة الأميركية والمجموعة الأوروبية والدول العربية والا فإنه سيمضي قدماً على طريق اختطاف لبنان والإبقاء عليه أسيراً الى ما شاء الله.

وأكدت المصادر ذاتها ان لتفجير العبوة في الخيام علاقة بعدم نجاح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في مسعاه للتوفيق بين القيادات اللبنانية من اجل الوصول الى تسوية تنهي التأزم المستمر على الساحة، اضافة الى انها تعتقد بأن السلاح خارج المخيمات لم يعد سلاحاً فلسطينياً بامتياز بمقدار ما انه تحول الى سلاح اقليمي للضغط على اللبنانيين وان ما يحصل في نهر البارد لهو دليل قاطع على ان لا علاقة لهذا السلاح بالقضية الفلسطينية، في ضوء تبيان الهوية السياسية للأطراف التي تصر على الاحتفاظ به.

لذلك، اعتبرت المصادر «فتح الاسلام» ظاهرة ارهابية متعددة الجنسية، وبالتالي فإن ما يحصل في الأحياء القديمة من المخيم ليس الا بداية لاندلاع الحرب على المرجعية الفلسطينية على خلفية تقويض دور منظمة التحرير في هذا الشأن كشرط لفرض أمر واقع سياسي جديد يراد منه إصدار تشريعات جديدة تمهد للاعتراف ببعض فصائل تحالف القوى الفلسطينية الوثيقة الصلة بدمشق كبديل من المرجعية الممثلة بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن)، وهذا ما يفسر تلكؤ فريق فلسطيني عن المشاركة في الحلول المطروحة للقضاء على تمدد «فتح الاسلام» في الأحياء القديمة من البارد تحت غطاء قوى فلسطينية معروفة الهوية والانتماء.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)