أما وقد حققت "كارثة لوكربي" أهدافها الليبية، فإن النية تتجه على ما يبدو لاستثمار هذه الكارثة لضرب عصفورين أو ثلاثة عصافير بحجر واحد: إيراني، سوري، وربما فلسطيني، وأحسب أن هذا هو المعنى الوحيد لقبول استئناف المقراحي وسط تسريبات على أرفع مستوى، بأن مسار التحقيق في "الجريمة" قد خضع لبعض التلاعب في الأدلة والشهود والسياقات والمتهمين.

تحت ضغط سيف لوكربي المشهر، استدارت ليبيا بزاوية قدرها 180 درجة في مواقفها وسياساتها، سلّمت برنامجها النووي بقضه وقضيضه إلى الولايات المتحدة، وتحمّلت طرابلس الغرب تكاليف الشحن والإكراميات المدفوعة لعمال التحميل والتنزيل، وتحت ضغط الفزّاعة ذاتها، سلمت ليبيا كل ما بحوزتها من أراشيف عن حركات العنف والإرهاب والمقاومة والتحرر في العالم، ودفعت فوق كل هذا وذاك أكثر من مليارين ونصف المليار من الدولارات تعويضات لعائلات ثكلى وجدت ضالتها إلى الثراء الفاحش في المال الليبي السائب والسهل.

اليوم تدور الدوائر، تعاود الصحافة الغربية نبش أوراقها القديمة، تستحضر قصص المعتقلين الستة عشر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة لاستهداف تيار فلسطيني (فصائل دمشق) ومن خلفه حاضنته السورية، كما تسترجع قضية الطائرة المدنية الإيرانية التي أسقطتها الولايات المتحدة فوق مياه الخليج للتأكيد على وجود حافز إيراني لمقارفة الجريمة، وليس للتذكير بالجريمة الأمريكية التي لم يتوقف عندها أحد، بل ولم يسمها احد باسمها كجريمة تقترف بحق ركاب الطائرة من الحجاج الإيرانيين الأبرياء المتجهين إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.

لماذا يعاد فتح ملف لوكربي من جديد، ولماذا الآن؟...ليس لدى المسكونين بنظرية المؤامرة من تفسير في مناخات انتحار أو "استنحار" أشرف مروان في لندن، سوى بالقول أنها المؤامرة الهادفة وضع سوريا وحلفائها الفلسطينيين ومن خلفهم إيران في قفص الاتهام من جديد، أما لماذا الآن، فهناك من يربط المسألة بالتغيير الذي طرأ على اتجاهات التحقيق في قضية اغتيال الحريري خصوصا بعد إبلاغ براميرتس للقضاء اللبناني بانتفاء الحاجة لاستمرار احتجاز قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية الأربعة، الأمر الذي أثار حفيظة آل الحريري ودفعهم لطلب تنحية قاضي التحقيق العدلي اللبناني إلياس عيد.

لعلها الصدفة، أو ربما عودة الروح لنظرية المؤامرة، أن يتزامن نشر الغسيل القذر للـ"سي آي إيه" عن عملياتها الإجرامية التي حفظت أوراقها في ملف أطلق عليه "جواهر العائلة"، مع انتعاش موسم المؤامرات، من خطة كيث دايتون في غزة إلى فتح الإسلام وجند الشام في لبنان، مرورا بأشرف مروان الذي قضى على طريقة سعاد حسني (ضحية صلاح نصر) قبل أن يتم كتابة مذكراته، وانتهاء بلوكربي وجريمة اغتيال الحريري وما سبقها ولحق بها من جرائم وتفجيرات لم تتوقف بعد، ولا يبدو أنها ستتوقف قريبا.

مصادر
الدستور (الأردن)