يصر المتعاطون بالشأن الثقافي عندنا على غربية منشأ العالمانية ما يشكل نقطة اندحار لها قبل الدخول الى مناقشتها وكانها نسق فكري ذي بداية وعقدة وخاتمة، ويصرون في المقابل على شرط غريب لكي تكون العالمانية صالحة لمجتمعاتنا ان تقوم هذه المجتمعات بأنتاجها، لتصبح المسألة كالتالي: هل نشتري الحمار قبل الخرج ام ان الخرج اولا؟ لتصبح هوية العالمانية ضرورة اكثر من العالمانية ذاتها (اذا كانت ضرورية)، أو كأننا نستطيع ان نستورد عالمانية (شراء او شحادة) من منشأها أو من مصدر ما، وبالتالي قد تصلح العالمانية الصينية بينما العالمانية البرتغالية تفشل اما العالمانية الفرنسية فهي ضارة ( مثلا ) .أو اننا ننتظر نصا تراثيا واضحا يقول لنا بالحرف الواحد التزموا العالمانية !!! لأن هناك امثلة سابقة تثبت بأن العالمانية كانت موجودة ولا تخافوا فهي غير سامة فهي منا وفينا ...الخ

العالمانية شأن مجتمعي سوف ينتجه المجتمع بطريقة او بأخرى شاء المجتمع ام ابى، وهي انتاج محلي مئة بالمئة أي ان مشكلة الهوية محلولة حكما، والتعامل مع النسبي بما انه نسبي اصبح من بدهيات التفاهم مع النفس ومع الآخر، مما يؤدي الى اما الغيتو او العالمانية. وبالطبع كوننا امم حضارية انترو بولوجيا لا يمكننا العيش في الغيتو القومي او الايديولوجي او الثقافي وحتى الاستهلاكي دون الاحتكاك والحوار مع مكونات العصر الثقافية على الاقل.

وتتركز مسألة العالمانية وربما انحصرت في مقاومتها والعداء لها على الرغم من ممارستها على ارض الواقع ليس كنظام حكم فقط بل على صعيد الاحتكاك الانساني الاجتماعي الحياتي البسيط بحيث اذا اردنا ان نصنف ما هو العالماني وما هو غير العالماني في حياتنا لاكتشفنا اننا نمارسها دون اللجوء الى ممارسة تسمية المرجعيات الايديولوجية لها، من هنا ان المجتمع حتى لو كان رافضا للعالمانية كتسمية (تتهم انها معادية للخصوصية والتقاليد) فانه ينتجها ويمارسها فعليا وعمليا دون الوقوع في وهم اعادة تعريفها في كل تصرف اجتماعي يصدر عنه ، لذلك تبدو حملات مقاومة العالمانية كحملات ذم وقدح لغوية ونوستالجيا عاطفية اكثر من كونها انساق فكرية متماسكة تستطيع الرد بالعقلانية المناسبة.

لا خوف على هوية العالمانية فهي دائما وابدا من هوية مجتمعاتها وليس فيها من المستوردالا ما تنتجه حملات القدح والذم التهيييجية التي تستخدم وسائل العالمانية وتتنكر لها.