أبدء من صور الأطفال المجتمعين عند زاوية مسجد، ثم أسأل عن الوجهة التي تقودهم باتجاه التراث، فيتحلقون في المسجد، وأنا بدون حجاب أبقى خارج "حرمة" الزمن القديم الذي يعيد رسم الطفولة أو استنساخ الأجيال، فأسأل عن مساحات المستقبل أو الدخول إلى زمن المواطنة بدلا من الانتماء إلى الماضي.

ليس تعليما دينيا بل عجز عن الحياة في زمن يضع الطفولة في مكان واحد، فينتهي الحلم عن مقولات الشافعي، أو يتوقف الزمن في كرامات الإمام النووي. لكن هذا الخيار يبقى الأسهل أو ربما الأكثر قبولا عندما نواجه حر الصيف فلا ندري أين نترك أطفالنا، أو حتى كيف يمكن أن نفهمهم في زمن الفراغ...

في الصورة الثانية ساحة دمشقية عامة جاهزة لاستقبال المناسبة التي تشغل المثقفين، فنوافير الماء فيها مقدمة لدمشق "عاصمة الثقافة العربية"، وحول بركة المياه وجوه سلبها الشقاء البراءة تدخل المياه وتخرج ثم ترتاح على طرف الرصيف وتشعل لفافة تعبر عن بؤس الزمن الذي تعيشه... بعض من أطفال عاصمة الثقافة يقدمون التناقض الصارخ لفراغ الوقت أو الجغرافية، فالتراث ينتظرهم على بعد أمتار وهم يسفحون الماء دون مبالاة وكأنها فرصتهم الوحيدة للهروب من مجهول لم استطع معرفته لأنهم أصبحوا متسولين عندما سألتهم....

لم تكن لفافات التبغ التي تنحشر في أفواههم تلغي بعضا من البراءة المتبقية، لكنها تشكل موقفا من القسوة التي جعلت إحدى الساحات فضاء للسيارات العابرة التي لا ترى سوى "كائنات" حديدية تصارع في الطرقات وتجتاح الأرصفة. فينتهي زمن الظل الذي نحاول التوقف عنده بعد أن احتلته التقنيات الجديدة.

صورة ثالثة لا بد منها... إنها متعة الخلط ما بين التراث واحتياجات الحاضر، فيصبح الصيف بعيدا عن الأطفال لأنهم باقون في المساجد أو النوادي "العشوائية"، بينما أحاول عبثا رؤية ما يمكن أن تقدمه فوضى الخلط المجاني ما بين التعليم والتراث، أو المسجد و "حلقات" الإرشاد.. أو حتى بين الخيارات المحدودة للأطفال الذين يعشقون "التشويق" حتى ولو كان على صفحات الماضي....

في دمشق اليوم يصعب البحث عن "صفاء" يمكنه أن يتيح خيالا جديدا للطفولة، فالنظرات البريئة يمكنه أن تصطدم بالجدران المغلقة أو بنوافير المياه الإسمنية، ثم تقف في النهاية أمام طيف قادم من الماضي فتختار مساحتها على شاكلة التراث.