فاجأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابناء شعبه عندما دعا الجمعة الماضي وفي أعقاب لقائه بالرئيس الفرنسي نيكالو ساركوزي الى إرسال قوات دولية الى قطاع غزة، بدعوى أن هذه الخطوة ضرورية لتوفير الظروف المناسبة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة؛ وأن كان أبو مازن قبل هذا التصريحات بساعات، قد أبلغ المؤتمر الإشتراكية الدولية أنه يتوجب العمل على " محاصرة إمارة الظلام التي أقامتها حركة حماس في غزة "، على حد تعبيره. ومصدر المفاجأة يكمن في أن أبو مازن بات يلتقي مع رموز التطرف والفاشية في الجانب الصهيوني الذين يطالبون بإرسال قوات دولية لإسقاط حكومة حماس في غزة. ففي الوقت الذي كان أبو مازن يعلن دعوته لإرسال القوات الدولية الى غزة، كان نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، الذي يرأس حزب " اسرائيل بيتنا "، اليميني المتطرف يواصل لقاءاته في أوروبا مع ممثلي دول حلف " الناتو " لإقناعهم بإرسال جزء من قوات الحلف الى غزة. والذي يجعل موقف ابو مازن أكثر حرجاً أمام الجمهور الفلسطيني هو حقيقة أن اسرائيل تطالب وعلى لسان ليبرمان بأن يتضمن كتاب التكليف لهذه القوات القيام بالمهام الآتية:منع حركات المقاومة من استهداف العمق الإسرائيلي انطلاقاً من قطاع غزة، وقف عمليات تهريب السلاح والوسائل القتالية عبر الحدود بين القطاع ومصر، الى جانب الشروع في تفكيك الأجنحة العسكرية لحركات المقاومة الفلسطينية. ولم يفت ليبرمان، وهوة يعدد المهام التي يجب أن توكل لهذه القوات، أن يشير الى أنه في حال نجحت هذه القوات في أداء مهامها، فأنها ستحقق " هدف إسرائيل وابو مازن المشترك، وهو إسقاط حكم حماس في قطاع غزة "،على حد تعبيره. ومن المؤسف أن يلتقي ابو مازن مع ليبرمان الذي يمثل رمز الفاشية، وهو الذي دعا ومايزال الى قصف أسواق غزة ومساجدها بطائرات الإف ستة عشر، الى جانب مناداته بطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة وتوطينهم في سيناء، وضمن برنامج حزبه الإنتخابي بنداً يدعو الى فرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى، ومنع المسلمين من الصلاة فيه، فضلاً عن مطالبته بقصف السد العالي من أجل إغراق المدن المصرية، وتدمير قصر الرئاسة السوري. بالنسبة للكثيرين في الساحة الفلسطينية، فأن أبو مازن من خلال اصراره على ارسال القوات الدولية، يخطط لاعادة تجربة العراق وافغانستان في غزة، وهو بالتالي فقد أهليته الوطنية لموافقته على مصادرة القرار الوطني. حركة حماس اتهمت ابو مازن بأنه يريد العودة الى غزة على ظهر الدبابات الأمريكية، وهو بذلك يحذو حذو كرازاي. لكن اذا تجاهلنا للحظة حقيقة التقاء ابو مازن مع ليبرمان، وانتقادات حماس له، فأن السؤال الذي يطرح هنا بقوة: لماذا لم لا يدعو عباس لإرسال قوات دولية الى الضفة الغربية حيث يتواجد الاحتلال لحماية ابناء شعبه الذين يتعرضون كل يوم لعمليات الاغتيال والاعتقال والمداهمة.

في الحقيقة أنه لا جدال على أن دعوة أبو مازن لارسال قوات دولية تندرج في إطار سعيه " للإنتقام " من حركة حماس بعدما احكمت سيطرتها على قطاع غزة، وهو سعي يعكس تخبط الرجل ويدلل على افتقاده القدرة على توجيه بوصلته في الإتجاه السليم. فبعد أن فشل أبو مازن في ترويض حركة حماس، فأنه أصبح أكثر التصاقاً بالأجندة الأمريكية، وهو يظن أن الوصفة الأمريكية دائما ناجحة، متجاهلاً الفشل المدوي للسياسات الأمريكية في العراق وافغانستان وفي كل مكان. ومما لا شك فيه أن التأييد الأمريكي لفكرة ارسال قوات دولية الى قطاع غزة يأتي كحلقة ثانية من حلقات إستراتيجية " الفوضى الخلاقة " التي بلورتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، بعد أن فشلت الحلقة الأولى من هذه الاستراتيجية والمتمثلة في الخطة التي وضعها المنسق العسكري الأمريكي دايتون، والتي هدفت الى ايجاد الظروف التي تسمح بإقتتال فلسطيني داخلي لأمد طويل، يؤدي في النهاية الى إخراج حركة حماس من دائرة العمل السياسي. لكن في حكم المؤكد أن رهان ابو مازن وامريكا وإسرائيل على هذه القوات سيثبت أنه في غير محله؛ فالقوات الدولية لن تكون أكثر قوة من القوات الإسرائيلية التي فشلت في قمع حركات المقاومة الفلسطينية. في نفس الوقت، فأنه على الرغم من تحمس ليبرمان للفكرة وموافقة اولمرت عليها، فأن هناك شكوك لدى الكثير من الدوائر الإسرائيلية إزاء إمكانية مساهمة القوات الدولية في خدمة الأهداف الإسرائيلية. فالجنرال روني دانئيل المعلق العسكري للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي يرى أنه في حال وافقت إسرائيل على ارسال قوات دولية الى غزة، فأن هذا يمثل " خطأً استراتيجياً ". ويرى دانئيل أن القوات الدولية لن تكون قادرة على لجم حركات المقاومة ومنعها من مواصلة عملياتها ضد الأهداف الإسرائيلية، وتحديداً إطلاق القذائف الصاروخية محلية الصنع على المستوطنات المحيطة بقطاع غزة. ويتوقع دانئيل أن تصبح الأوضاع الأمنية " أكثر كارثية " في اعقاب وصول القوات الدولية للقطاع، مشيراً الى أن الذي سيزيد الأمور تعقيداً هو حقيقة أن الجيش الإسرائيلي لن يكون بوسعه العمل ضد حركات المقاومة الفلسطينية في الوقت الذي تتواجد فيه القوات الدولية. أما الجنرال عاموس ج لبوع، رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقاً فيرى أن ما يحدث في العراق سيكون " مجرد نكتة مقارنة مع ما سيحدث في غزة "، محذراً من أنه في حال سقوط قتلى فلسطينيين في عمليات للقوات الدولية، فأن هذا لن يؤدي فقط الى توحد الفلسطينيين خلف حركة حماس، بل أنه " سيبرز أبو مازن كمن يعمل وفق الأجندة الإسرائيلية ". أما الجنرال أهارون زئيفي، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، فيشير الى أن الدافعية القتالية لجنود القوات الدولية ستكون منخفضة جداً مقارنة مع دافعية عناصر المقاومة الفلسطينية. ويحذر من أن الدول التي سترسل هذه القوات سرعان ما تسحب قواتها بفعل الخسائر الكبيرة التي ستتكبدها؛ منوهاً الى ارسال القوات الدولية سيعفي حماس من المسؤولية عن تبعات الحصار الإقتصادي أمام الجمهور الفلسطيني، حيث أن الحصار على القطاع من المفترض أن ينتهي بوصول هذه القوات.